رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
آخر ما كتبه أحمد الجنديل قبل رحيله الأبدي


المشاهدات 1247
تاريخ الإضافة 2023/05/24 - 8:02 PM
آخر تحديث 2024/04/19 - 7:49 AM

ويسألني امام القبر ظل .. لماذا لا يزور الموت أوطانا سوانا ؟
في الوقت الذي تقرأون فيه هذا المقال ، اكون انا على الضفة الاخرى ، على سواحل جزر الغيب ، في ليلة من ليل البنفسج ، أقرأ رسالة جبران التي لم تقرأها مي بعد ، وانعم بالهدوء والعزلة التي قضيت نحوا من العمر ابحث عن قبضة منها.
عندما تقرر ان تبدأ الرحلة سيظهر الطريق، لكن الطرق تبدو طويلة عندما يقطعها الانسان وحده .
75 عاما مرت كأنها ومضة برق ، ثم ماذا؟ البحر من امامكم ، البحر من خلفكم ثم ينتهي الامر عاجلاً ام اجلاً.
75 عاما وهذا الرأس المحشو بورق الجرائد والمنقوع برائحة التبغ والمتخم بعنفوان الروايات والمنحوت بوهج الوحي والمسقى برذاذ الاشعار والضاج بصخب الاحاديث والامسيات والمثقل بأعباء الحياة ما زال في جعبته الكثير وما زال معشوشباً بألف فكرة وما زال يأبى الانقياد والخضوع، فالحالمون لا يمكن ترويضهم أبداً.
75 عاما لم تكن كافية للعزف ولا للنزف وسكب النفس بوحاً استثنائيا فوق الاوراق. 
75 عاما قضيت نصفها في القراءة ونصفها الاخر بالكتابة، والآن حانت مرحلة الفهم.
الجو غائم هنا ولا مسافة بين السرد والنقد إلا من خلال ثقب ابرة .
حتى وانا هنا ما زالت همزة الوصل تأبى التخلي عن مكانها الى دائرة السكون، إذ لا فائدة من اغلاق النوافذ ما دام المشهد يدور في الذهن كالعاصفة.
بعد هذه الرحلة وهذا المسير .. تبدو الحياة كلعبة شطرنج وقطعة حلوى وعاشقة حتى الفجر طفقت تخصف على نفسها من ضياء الصبح لتواري عن فتنتها على استحياء عند الشروق اشتاق لمكتبتي الشهية حيث يصطف حنا مينا بجوار جبران، وتنشأ ألفة بين الماغوط ودرويش، ويتسامر العليان الوردي وشريعتي، ويتحاور عبد الرحمن الربيعي ومنيف، ويلتقي مكسيم بتولستوي ودستوفسكي بماركيز ليحتدم الجدل كما كان وتنثلم العزلة.
حين استعلمت عما جرى بعد الرحيل قيل لي انه كان مأتماً يليق بفارس ، شكراً لكم جميعاً.
منزلي .. اسرتي .. اصحاب العمر، رفاق الدرب .. قراء الكلمات .. سأشتاقكم حقاً.. كم احزنني اني افجعتكم بالرحيل لكن ليس باليد حيلة، وما كان بالامكان افضل مما كان...
 في هذه اللحظة لا استطيع قراءة ردودكم ولمس تعابير وجوهكم لكني استطيع تخمينها على نحو ممتاز.
هنا حيث أنا الآن ، لا مكان إلا للحقائق المطلقة ، لكني على ثقة أني سأظل متأرجحاً على حبال الذاكرة لأمد غير قصير ، إذ ان الحياة لا تبدأ بالولادة بل بالوعي ولا تنتهي بالموت بل بانطفاء الروح.
إلى اللقاء...
 


تابعنا على
تصميم وتطوير