جريدة الزوراء العراقية

قراءة لنصّ ( ستظل رمزا ) للدكتور المهندس إياد الصاوي


بقلم الشاعرة التونسية منيرة الحاج يوسف
بين نهي وأمر  يدور خطاب  الشاعر ويحفر سطوره ليغرس حسا إنسانيا رقيقا عميقا بدأ للأسف يندثر، هو الشعور بما يعانيه الآخر والتعبير عن التعاطف معه، فحاجة الإنسان إلى المشاعر تفوق حاجته إلى أي شيء آخر لأن إنسانيته لا تكتمل إلا بسمو الإحساس ورفعة الخُلق.
هذه المراوحة بين النهي والأمر غايتها واحدة؛ شدّ أزر المخاطب، وإخباره أنّه حاضر في الإحساس بمعنى لابدّ  من التّخلص من المشاعر السّلبية الداخليّة التي عادة ما تنجم عن طبيعة الظروف الخارجية، إن اهتزاز المرء بفعل الإحساس بالوحدة وقلة التآزر والشعور بإهماله ممن يحيطونه من البشر، أعنف بكثير من ارتجافه بسبب برد قارس أو أي عامل طبيعيّ، مهما كان صعبا، ولأن الشاعر أيقن ذلك واستوعب عمق الوشائج الروحية بين الإنسان والانسان، بدأ النص بهذا الدّثار الدافئ من لغة تعّبر عن الاتّحاد حتّى يخفّف من روع الفقير، فيحتضنَ روحه التي عبث بها صقيع القسوة البشرية، قبل صقيع الطبيعة.
 إنّ الجملة الاسمية التي تلت الجملتين الفعليّتين عميقة المدلول بل هي مدار النص ومحوره
عليها سيترّتب نظام التقاسم والتشارك في بقيّة السّطور الشّعرية 
هذا النظام نجد له صدى في البنية المتعاكسة التي تميّزت بها الجمل الثلاث الموالية (فعليتان، اسمية/ اسميتان، فعلية) لكن المعنى متعاود، متكرر لغاية التأكيد والتفسير فالجملة (أخشى عليك من التلف) هي شرح لجملة (أنت في وجعي تقف).. أما الجملتان اللتان وصف الشاعر بهما الحالة الجوية فتشرحان سبب ارتجاف المخاطب.. 
لقد اقتضى وضع المخاطب تعاطف الشاعر وقد توضّح ذلك على مستوى التعبير اللّغوي والدّلالي فمن استعمال لضميرين منفصلين (أنت/ أنا) إلى ضمير المتكلم الجمع (نحن)  (خيامنا)بما فيه من دلالات تخدم مقاصد النص فالشّاعر يكشف صراحة عن موقفه المساند للفقير الذي عصفت به ظروف اللّجوء وشرّدته الحياة، فصار ذليلا، ضحية للخصاصة، المعادي ل(أهل الوثائر والترف)  الذين تسبّبوا في هذا الواقع القبيح دون أن يهتزّ لهم شعور أو يرفّ جفن، لذلك وجّه إليهم أصابع الاتهام بفقدان إنسانيتهم، وضمور ضمائرهم.
إن تشتّت الشّاعر بين اعتماد ضمير المتكلّم المفرد والجمع غايته التعبير من ناحية، عن رؤيته الخاصة  ومحاولة تنبيه الإنسان ومن ناحية اخرى ليبرز  أن الإنسانية قاسم مشترك بيننا لا يمكن أن نتجاهلها فمتى فقدناها فقدنا الهويّة الانسانية وضاعت معها كل قيم الحق والخير لكنه يعود ليصارح نفسه بأننا بلغنا فعلا هذا الطور اللا إنساني إذ صار الإنسان بلا مشاعر ولا ضمير ولا إنسانية بل تغلغلت فيه شرور أنسته كل الخلال الحميدة وأعمت بصيرته وجعلته لا يرى إلا مصالحه الضيقة بعد أن هيمن عليه الفكر الأسود الهدام، لذلك ارتفعت وتيرة الخطاب وعلا منسوب التوتر لدى الشاعر فكرر استفهامه الإنكاري، وتأفف من محاولة استنهاض المروءة فلا هو كشاعر إنسان، ولا الطفولة المشردة على أرصفة الضياع كحالة يمكن أن توقظ الضمائر (الجافة) (أيرتجى شيء.. سخف) .
يغلب نفس الهزيمة في آخر النص من خلال التصريح بعجزه عن الفعل والتجديف ضد تيار الفساد ويعود إلى توظيف ضمير يجمع بينه وبين الطفل التائه كلاهما ضعيف لا حول له ولا قوة بل ينتهي به اليأس إلى اعتبار كل محاولات التعاطف أو المساعدة أو حتى شجب هذا الواقع العفن هي محاولات بائسة لن تجدي نفعا بعد الأشواط التي قطعها الإنسان في دغل حيوانيته المقيتة (يكون أكذب إذا حلف) وينتهي إلى الحل الوحيد الذي يعتقد في سلامه وجدواه وهو التوجه إلى الله، فالشرف كل الشرف أن يظل الإنسان واثقا بمن خلقه فسواه وأطعمه من جوع وآمنه من خوف أما البشر فلا يملكون نفعا ولا ضرا إلا بأمره 
تغيّر فعل الأمر من بداية النصّ إلى نهايته فمن دعوة إلى الثبات إلى دعوة إلى الدّعاء، و من إخبار بأنه سيكون صوت اللاجئ الفقير إلى الاعتراف بالعجز أمام واقع الرداءة والدناءة،  بنفس أسلوب النهي المعتمد في بداية القصيد ( لا تمتحني)
لقد قلب الشاعر صورة المتخاطبين؛ فرسم لنا المخاطب ضعيفا محتاجا منكسرا وقدّم نفسه على أنّه الأقوى بما يحمل من قيم التعاون، وفهم الواقع وانتهى إلى تصوير حالة عجزه وهزيمته أمام هيمنة مكينة الفساد التي أتت على كل القيم دون اعتبارلشيء، أما المخاطب فحوله إلى  رمز، وشببه بالقمر عند اكتماله، إذ لا بد أن يعيش دورة كاملة حتى يعود إليه ألقه من جديد دون اكتراث لما يحدث حوله
نص مائز، صاغه الشاعر باستعمال فنيات متنوعة لم يخل من التصوير الشعري رغم الأسلوب المباشر بل قام على الإدهاش من خلال تغير رؤى الشاعر إذ يحمل الإنسان المضطهد نفسه  مسؤولية الذود عن نفسه وكسر قيوده واسترجاع حقه بالعودة إلى الله والتوكل عليه وبالدعاء الصادق.
«   سَتَظَلُّ رَمْزًا ..!!   «  .. د. مُهَنْدِس/ إِيَادُ الصَّاوي .


المشاهدات 1226
تاريخ الإضافة 2023/05/23 - 8:56 PM
آخر تحديث 2024/04/17 - 12:07 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com