جريدة الزوراء العراقية

قمة ولمة وهمة


استذكاراً للقمم العربية التي لم تجلب للبلدان العربية غير الهم والغم، فلا تستغرب عزيزي القارئ من هذا العنوان.. إنه ليس مصطلحا سياسيا متداولا في دول العالم المتمدن لكنه في البلدان العربية، وفي العراق بشكل خاص، واقع حال، فنحن حاليا نعيش مرحلة كمَن مصاب بجلطة سياسية بعد أن دخلنا مرحلة الانعاش في مشافي واروقة رجال السياسة، ورأينا معالي السادة السياسيين قبل الانتخابات النيابية وهم يعتلون منصات الخطابة لكسب الجمهور وكأنهم شعراء في سوق عكاظ في ايام الجاهلية  أو اشبه بمهرجان خطابي لطلبة المدارس الابتدائية وهم يتباهون فيما بينهم حتى فاقوا في خطبهم الرنانة خطب الزعيم الراحل عبد الكريم قاسم -رحمه الله- يوم كان يعتلي المنصة ويلقي خطبته العصماء لساعات طوال ويردف في كل سطر من سطورها كلمة (انني... انني... انني) فلم نجد انني ولا اخواتها حتى ليكاد السامع يستنشق من عبير هذه الكلمة اننا سنصل في برامجنا السياسية حالة الكمال والانعاش في كل ميادين الحياة وهذا ليس انتقاصا من الزعيم الخالد الذي قتل بسلاح مناوئيه وهو لا يملك شيئا من متاع الدنيا.. وفي كل الاحوال ووسط هذه التداعيات تبين اننا نعيش في واقع مزرٍ خاصة بعد ان بدأ الصراع بين الاحزاب المتناحرة في تلك المرحلة العصيبة بعد سقوط النظام الملكي عام ١٩٥٨ كل رفيق ينتقم من الاخر، متناسين انهم كانوا زملاء في زنزانة واحدة، كل ينادي بحب الوطن تحت الامرة والطلب يسعون في الارض مرحا بلا نتائج او هدف مثمر، فما ان تنتهي اتون معركة دموية بين الاحزاب المتصارعة (ويا مكثرها) حتى تبدأ معركة اخرى ألعن منها واكثر قساوة، فمن منا لم يشهد تلك الفترة من تاريخ العراق السياسي بكل عبثيتها وكأننا نعيش في غابة تحكمها الوحوش المفترسة التي بشرت ببدء عصر جديد من الحرية لكنها كانت حرية مقيدة وفق توجهات ومنظور الاحزاب التي تسمي نفسها بالقومية، فكانت مصيدة الموت هي الراجحة وبات المواطن يخرج من بيته سالكا طريق اللا عودة، وكان أنين المواطن العراقي يسمع من وراء قضبان السجون أو في المنافي خارج العراق باكيا صارخا  بانتظار ساعة الفرج، لكنها وما ان انتهت الغمة تحولت ساعة الفرج الى ساعة «الهرج والمرج»، ساعة الفوضى الخلاقة التي سحقت كل القادة أما موتا او هما وندما على ما قاموا به.. فأين ذهب الزعيم عبد الكريم قاسم، قتل من دون محاكمة في مبنى الاذاعة والتلفزيون حتى إن مكان جثته بقي مجهولا وذهبت مع الرياح ليس لها مكان ولا سلطان.. وذهب من بعده زميله العقيد عبد السلام عارف، وقتل في حادث سقوط طائرته جنوب العراق في حادث يثير الكثير من الريبة والشكوك.. وأين ذهب الرئيس احمد حسن البكر وصدام حسين ومَن رافقهم في رحلة البحث عن المجد، انتهت حياتهم وقبل ان تنتهي اصيبوا بجلطة سياسية، هذا هو مجدهم، هذا ما تركوه بعد أن أخذوا من الدنيا استحقاقات خارجة عن نطاق المعقول، فذهبوا صاغرين الى دنيا المجهول، هذا في العراق.. وأين ذهب الرئيس المصري حسني مبارك والرئيس اليمني علي عبد الله صالح والرئيس الليبي معمر القذافي، كلهم ماتوا في عمليات تقشعر لها الابدان.. فالويل كل الويل لمن لم يكن صادقا مع نفسه وشعبه، وهذا تحذير لكل الزعماء العرب بأن يبدؤوا من الآن بفتح صفحة جديدة من الرضا والتوافق البناء لبناء اوطانهم بناءً يتجسد فيه الاخلاص لهذه الأوطان، خاصة أن اغلب الاطراف السياسية حاليا متفقة على اجراء عملية التغيير والبناء ومقاومة العدو المشترك امريكا والكيان الصهيوني وكل من يتحالف معهما من العملاء والمأجورين من اصحاب المصالح.. فلنكن ايها القادة المجتمعون في جدة اكثر وعيا ونفتح صفحة جديدة مبنية على الثقة والتفاهم، وأن يكون همنا الاول الالتفات الى مصالح الوطن العربي المنهك جوعا وعطشا من خلال  اتخاذ قرارات ملزمة تعيد للمواطن العربي كرامته المهدورة، وهذا المؤتمر حتما سيكون الطريق لتكاتف البلاد العربية لمواجهة التحديات التي تواجهها بأسلوب عقلاني ورؤية مشتركة لمواجهة العدو المشترك الذي يتربص بنا لإنهاكنا وزرع بذور التفرقة والتجزئة بيننا ونحن نعيش في ظروف هي في مجملها خانقة.. فهل يا ترى سيتمكن القادة العرب في مؤتمرهم في جدة من عبور خندق التحديات للوصول الى شاطئ الامان وإنقاذ سفينتهم العربية من الغرق، وأن لا تتجدد الكرة ويكون هناك ربيع عربي جديد قد يسقط عروشهم.. أنا أشك في ذلك.
 


المشاهدات 1221
تاريخ الإضافة 2023/05/22 - 9:51 PM
آخر تحديث 2024/04/15 - 1:51 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com