جريدة الزوراء العراقية

دراسة ذرائعية باستراتيجية التعضيد للقصة الموجزة المكثفة «شذوذ» للقاصة أميرة ابراهيم


بقلم الناقدة الذرائعية ليلى أحمد 
النص:
في زاويته المعتادة يبدل أقنعته، يتقمّص الأدوار، تتراقص الشخوص حوله...
عندما حاول نزع قناعه الأخير لم يجد رأسه؛ بات يرمم نعشه بيدين مبتورتين.
الديباجة أو القراءة السيميائية:
 لقد استهلت الكاتبة نصها استهلالًا مشهديًّا، المكان زاوية تخبرنا الكاتبة أنها ركن اعتاد بطل القصة المكوث فيه للقيام بفعل التمثيل، فالإسناد إلى شخص يقوم بعمل يتطلب منه استخدام الأقنعة وتقمّص أدوار شخصيات كثيرة، وهذا يتطلب منه نزع قناع وارتداء آخر بصورة متوالية بتوالي الأدوار المسندة إلى شخصيات العرض المسرحي. هذا هو الفرش السيميائي الذي بسطت عليه الكاتبة نصها، زاوية على مسرح اعتاد الوقوف فيه ممثل مونودراما يقوم بتبديل زيه وقناعه وأدواره بتغير شخوص المسرحية. أما الجزء الثاني من النص فهو الجزء الذي يحيلنا إلى الدراسة  الدلالية الإيحائية : 
الدراسة الدلالية الإيحائية : 
الدلالة الأولى : في زاويته المعتادة يبدل أقنعته. 
وهي دلالة مسندة إلى شخص يجلس في زاوية معتادة، والزاوية قد تكون رمزًا يحيل  إلى التهميش أو الزهد وابتعاد عن الناس,  وقد تكون مكانًا محصورًا لا يمكن التمدّد فيه، أو أنها مكانًا للعزلة والمراقبة. وفي نموذجنا هذا هو منعزل يراقب, ويتدرب على إتقان لبس ونزع الأقنعة مع كل دور أو عهد يتطلّب منه إظهار الولاءات لسلطة جديدة، ونزع انتماءاته لسلطة زائلة. 
والقناع هو ما يستر الوجه الأصلي وهنا قد يكون فكرة أو موقف أو قناعة. 
الدلالة الثانية : يتقمّص الأدوار، تتراقص الشخوص أمامه. 
وفي كل مرة يتقمص دورا مناسبا لمن حوله بدافع النفع والانتهاز، إذن هو يغير جلده تماهيًا مع الآخرين بغض النظر عن مدى نفعهم  للمجتمع
ويعمل كل ما يروق في حالة اعتياد, أي تكرار بعيد عن الفطرة، عبر انتهازية واضحة مع كل من يستلم السلطة أو يكون له عنده منفعة، فهو يوالي كل سلطة جديدة تقفز أمامه على أنقاض السابقة، وفعل التراقص يحيل إلى كثرة تلك الانقلابات، كما يحيل تغيير أقنعة إلى كثرة تغيير  (أفكاره) متماهيًا مع كل حالة حدّ التقمص وسط طربهم وبهجتهم بما هو عليه من تلون وتغيير. 
ولكن ما الذي يجنيه من نفاقه 
هم يتراقصون حوله مبتهجين على وقع تبدله 
وهنالا بد من الاشارة إلى أن الأقنعة والشخوص مفردات تحيلنا إلى التمثيل والمسرح الذي يستوجب بعضًا من تقنيات الإضاءة والموسيقا ليكمل المشهد 
والرقص إيحائيا أحد وجوه الفرح والتمايل على وقع الموسيقا.
الدلالة الثالثة: عندما حاول نزع قناعه الأخير لم يجد رأسه. 
 ولكن المفاجأة أنه عند نزع القناع الأخير كان قد خسر رأسه بعد أن ضاع جوهره شيئًا فشيئًا، وفقدان الرأس موت. 
الدلالة الرابعة: بات يرمم نعشه بيدين مبتورتين.
انفض الجميع من حوله,  اذ لا مصلحة لهم به بعد اليوم حتى أنه لم يجد من يواري جثته, ومن يخسر رأسه يموت, فلا حاجة له إلى يدين ينزع بهما أقنعته, فالبتر إحالة إلى آخر العمليات الجراحية التي يمكن أن تجرى لأحد الأطراف لإزالته بعد الإصابة والعطب, واليدان المبتورتان لا يمكن أن تمسكا برفش يهيل التراب على قبر. فما أتعس هذا الشخص, وكم هي بائسة ميتته. 
وبتر اليدين يحيل أيضًا إلى عقوبة وحد من الحدود في الإسلام, وهو قطع اليد للسارق, ونقول هنا هل كان ينوي التوبة بعد آخر موقف متلوّن قام به؟ ولكن على ما يبدو لم يستطع استدراك نفسه فقد خسر كل شيء وكيف لا وهو قد فقد رأسه, والرأس هو مخزن الافكار بالدماغ المسؤول عن الحياة أيضًا, ها قد تخلى عن جوهر الإنسان الحق وخسر نفسه أمام آخرين لا يهمهم إلا مصالحهم ولا يعنيهم موته(رحيله)حتى أنهم لا يأبهون لدفنه, وتركه يكابد العجز والإهمال حتى بات يرمم نعشه بيدين بُترتا استحقاقًا لتجاوز حدٍّ من الحدود الموجبة للعقاب, فيها إساءة للأمانة التي أبت الجبال حملها وحملها الإنسان, فكان ظلومًا جهولا.  
فمن فقد رأسه من المؤكد أنه كمن بترت يداه وأعضاؤه كافة, الموت جسديًّا ونفسيًّا والمقابل هو العدم.
لقد انفضوا من حوله, أولعل أحدهم أجهز عليه تحسبًا لفضحه أو ممالئة من يأتي بعده, هو اللعب على الحبلين يليه السقوط المؤكد 
التحليل الذرائعي:
المستوى المتحرك: 
العنوان: شذوذ 
ضمّنت القاصة ثيمة النص في العنوان, عبر اعتمادها الثيمة الفلسفية, فجاء العنوان موفقًا, بعيدًا عن الكشف المباشر, في تكثيف بديع بعنوان من كلمة مفردة نكرى
شذوذ الذي ناقض تصاعد الحدث الذي اوحى بحالة البطل الشاذة عن الانسانية الحقة
والشذوذ هو الخروج عن المألوف والانحراف عن الوضع الطبيعي أو مخالفة القاعدة العامة 
وقد يكون الشذوذ جسديًّا أو فكريًّا يستتبعه شذوذ سلوكي. 
وهنا كان الشذوذ فكريًّا وسلوكيًّا.
الموضوع : 
عندما تنعدم الكرامة عند الانسان, ويقايضها بمنافع مادية بغير وجه حق, ومن ثم يستسهل الانصياع للآخرين فيرائيهم ويمالئهم في كل حال يكون قد شذّ عن الخلق السليم.
القضية التي طرحتها القاصة أسندت بشكل قوي الى فئتين المنافق والمنافق له, لتحيلها الى قضية أخلاقية تهم المجتمع ذات أثر كبير في انتشار الفساد وضياع الحقوق من عدمها.
الرمز:  
استخدمت الكاتبة رمز تقني ( الأقنعة, الرأس, النعش, يد مبتورة), كما استخدمت الرمز الاستعاري ( التقمص, الأدوار, تراقص خيالات الشخوص, يرمم)   
المستوى النفسي: 
كل نص يعبر عن الصراع النفسي لدى صاحبه تجاه مشهد أو حالة أوموقف يقع عليه في الحياة.
وهنا يظهر استياء الكاتبة من هذا النموذج الإنساني المخل بالأخلاق العامة, وينشر الفساد بكل مكوناته من رشوة وشهادة زور وما إلى ذلك .
المستوى الأخلاقي
في النص دعوة واضحة وقوية إلى الصدق قولًا وفعلًا, والابتعاد عن النفاق وأهله, امتثالًا لقوله تعالى ( المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم نسوا الله فنسيهم إن المنافقين هم الفاسقون ).


المشاهدات 1298
تاريخ الإضافة 2023/04/01 - 5:14 PM
آخر تحديث 2024/04/15 - 3:49 AM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com