جريدة الزوراء العراقية

مفهوم الأدب عند ميخائيل نعيمة


  نديم نعيمة
إن ملخَّص فلسفة نعيمه (وهي بعيدة الجذور في الفكر العالمي، يونانيِّه ومصريِّه القديم وهنديِّه وساميِّه، ناهيك بأوروبيِّه الحديث) أن أول ما يستفيق عليه الإنسان من وجوه هو ذاته، هو «الأنا». فهي بالنسبة إليه المحور الذي تدور حوله جميع تحركاته ونزوعاته  ومآتيه في خطِّ حياته كلِّها. فهو في ذلك إنما يصدر عن رغبته في الخير والسعادة والازدهار لنفسه، وعن كرهه لكلِّ ما من شأنه أن يلحق بها الضرر والأذية. فإذا كان الأمر كذلك كانت وظيفة الإنسان الأولى والأخيرة أن يعرف نفسه على حقيقتها كي لا ينخدع في حياته فيقوم عن جهل بما يعتقده خيرًا وسعادة لنفسه، فإذا به ينقلب إلى شرٍّ وبلاء.
إن المقطع يؤشر إلى ثقافة نعيمه وإلى أصالته كأديب رفض معالم الحضارة الغربية وارتدَّ إلى أناه ليجعل منها منطلَقًا لتجاربه في الحياة؛ كما جعل من أنا الإنسان محور الأدب نظرًا لإيمانه بقيمته. في هذا الصَّدد، يرى أننا في كلِّ ما نفعل وكلِّ ما نقول وكلِّ ما نكتب إنما نفتش عن أنفسنا. فإن فتشنا عن الله فلنجد أنفسنا في الله. وإن سعينا وراء الجمال فإنَّما نسعى وراء أنفسنا في الجمال. وإن طلبنا الفضيلة فلا نطلب إلاَّ أنفسنا في الفضيلة. فكلُّ ما يأتيه الإنسان إنَّما يدور حول محور واحد هو: الإنسان. حول هذا المحور تدور علومه وفلسفته وصناعته وتجارته وفنونه؛ وحول هذا المحور تدور آدابه.
انطلاقًا من هذه القناعة، أجمع الدارسون على أن ميخائيل نعيمه كان ينظر إلى الأدب نظرة متسامية وينطلق في تصوراته من جانب ذاتي وجداني؛ وكذا من مبدأ دراسة الإنسان من الداخل ومراعاة ظروفه الاجتماعية ومدى ارتباطه بالزمان وبالمكان.
وبما أن توجُّهه الفكري يجمع بين الأدب والفن والفلسفة فإننا سنقف في هذه الدراسة المقتضبة على حصيلة آرائه في الأدب والنقد اعتمادًا على كتابه القيِّم الغربال الذي يشكِّل مدرسة متميزة في مسيرة النقد العربي الحديث.
يهدف كتاب الغربال إلى تأسيس تصور نقدي مغاير والدعوة إلى أدب جديد. لهذا يرى د. محمد مندور أن غاية هذا الكتاب هي «الهجوم العنيف على الأدب العربي التقليدي المتزمِّت وعلى التحجُّر اللغوي ثم على العروض التقليدي] وهذا لا يعني أن ميخائيل نعيمه قد وقف عند هذا الحد، وإنما حاول، من خلال عمله، أن يؤكد على ضرورة إعادة النظر إلى وظيفة الأدب وإلى طرق نقده بعقلية متفتحة. ومن ثم فإذا كانت المدارس الأدبية الحديثة في الغرب قد اهتمت بقضايا الإنسان وتمفصلاتها في الإبداع الأدبي فإن هذه الفكرة قد سيطرت على أدباء المهجر انطلاقًا من دوافع سياسية وأخرى ذاتية.
في هذا الصدد، يرى ميخائيل نعيمه أن الأدب الحقيقي هو «رسول» بين الكاتب والقارئ وأن وظيفته تنحصر في تناول الإنسان وسبر أغوار النفس البشرية: أي أنه تعبير عن الحياة النفسية والاجتماعية من جميع نواحيها.
هذا التحديد للأدب كان نابعًا من احتكاكه بالثقافة الغربية؛ ذلك أنه حينما كان متأثرًا بالأدب الروسي كان يريد من الأديب أن يلتزم بما يجري داخل مجتمعه من ثورات والتبشير بها؛ لكنه حينما انغمس في الحياة الأمريكية انسحب من عالم المجتمع وارتدَّ إلى ذاته وإلى عوالمها، ثم اعتبر نفسَ الإنسان محور الأدب: أي الإنسان كوحدة في الوجود، لا كفرد في المجتمع. لهذا، «لا يخلد من الآثار إلاَّ ما كان فيه بعض من الروح الخالدة»، ولا يمكن للأدب إلا أن يكون «مسرحًا يظهر عليه الإنسان بكلِّ مظاهره الروحية والجسدية». أما الأديب الذي يستحق أن يدعى أديبًا فهو «من يزوِّد رسوله من قلبه ولبِّه».
نستنتج من هذه التحديدات أن قيمة الأدب لدى نعيمه تكمن في قدرته على اختراق وكشف باطنية الإنسان وكينونته الحقيقية، وأن الأعمال الخالدة (كأعمال شكسبير مثلاً) هي التي تمتلك خصوصية التعبير الرصين عن زمنها وفضائها، وتسعى، في نفس الوقت، إلى رصد الجانب الحضاري والإنساني في المجتمع.
 


المشاهدات 1836
تاريخ الإضافة 2023/03/29 - 5:20 PM
آخر تحديث 2024/04/21 - 4:55 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com