رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
التقارب السعودي – الإيراني: ماذا عن أمريكا؟


المشاهدات 1110
تاريخ الإضافة 2023/03/19 - 8:31 PM
آخر تحديث 2024/04/18 - 8:12 AM

انشغلَ الاعلام مؤخراً بالإعلان عن الاتفاق السعودي الايراني بعودة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، معتبراً ان هناك تغييرات استراتيجية ستحصل في المنطقة اثر هذا الاتفاق. 
تساؤلات عديدة يمكن طرحها في الوقت الحالي: ما معنى ان يكون الاتفاق برعاية صينية؟ هل يمكن ان تخرج السعودية من العباءة الاميركية؟ كيف يمكن ان يساهم هذا الاتفاق في معالجة القضايا الخلافية الكبيرة في الشرق الاوسط في ظل اندحار الصراع بين ألد الأعداء؟ ما الفائدة التي ستجنيها كل من السعودية وايران وما هو الموقف الاميركي مما يحصل؟ 
يبدو ان حالة العداء المستعصية بين ايران والسعودية لسنوات طويلة والصراع الذي تولّد في اكثر من بلد عربي اثر هذا الصراع، جعل الامر يستحق الوقوف عنده والنظر اليه، فماذا بعد هذا الاتفاق وأي عالم عربي سنشهد؟!
لا شك ان افضل الممكن هو الاتفاق فهذا سيولد راحة وتفاؤلا كبيرا على جميع الصعد، خصوصا ان السعودية استطاعت ان تتخذ موقفا يمكن الوقوف عليه في الحرب الروسية الاوكرانية فقد حاولت ان تظهر في خط الوسط عندما تبرعت للأوكرانيين بحوالي نصف مليار دولار، لكنها في الوقت نفسه لم تمتثل للعقوبات الاميركية على روسيا ولم تقم بتخفيض سعر النفط او القيام بضغط على اوبك للقيام بهذا الامر، مما يجعلنا ننظر بتفاؤل كبير حيال ما يحصل. 
في المقابل سعت السعودية الى اعادة ترتيب علاقاتها مع كل من قطر وتركيا، وبدأت تفتش عن معالجة الوضع اليمني، كما انها بدأت تفكر في العلاقة بجدية مع الولايات المتحدة الاميركية وتضع هذه العلاقة في ميزان الربح والخسارة، ومن الواضح ان المملكة اصبح لديها قناعة انه يجب ان تكون يديها مفتوحة للجميع وان حلفها التاريخي مع اميركا كانت خسارته أكبر بكثير من ربحه، ومع ذلك هي لا تنوي إغلاق أي باب مع اميركا بل تسعى الى فرد يديها بالاتجاهين الغربي والشرقي.
لن ندخل كثيرا فيما فعلته السعودية لخاطر اميركا ومشروعها في المنطقة، وما هي النتائج التي حصلت ازاء هذا الامر في كل من لبنان والعراق وسوريا وافغانستان واليمن وغيرها، وكانت الذراع الاقوى للأميركيين في المنطقة. لقد قدّمت السعودية «خدمات» لأميركا لا تقدّر بثمن، أهمها ما يتعلق بالدولار الاميركي عبر ربطه بالنفط. 
من المؤكد ان الذهنية السعودية لم تولد اليوم بل منذ مجيء الرئيس دونالد ترامب الى رئاسة اميركا ليظهر حقيقة ما يحمله الاميركيون تجاه السعودية او غيرهم، لقد فهمت السعودية ان خسارتها كبيرة لا سيما عندما اجبرت على الدخول في صفقة القرن مخالفةً الجمهور العربي الذي كان ينظر للسعودية بأنه الحاضن العربي والبعيد كل البعد عن التطبيع، فغرقت في وحول الصفقة التي أغرقت معها الامارات والبحرين وغيرهما، وكل هذا حصل وسط ابتزاز اميركي سياسي ومالي من الرئيس الاشقر ترامب. 
كثيرة هي الصفعات التي تلقاها الملك السعودي من الاميركيين لعل أخطرها ما قاله ترامب للملك بأنه لن يبقى في الحكم بدون الأمريكان وعليه ان يدفع المال.. هذا الابتزاز المالي والسياسي جعلت السعودية تخطو خطواتها الجدّية لإعادة الاعتبار عبر التمرد الذي نأمل أن يكون شاملاً وناضجاً أكثر. 
لا شك ان الخطوات السعودية ستريح المنطقة كثيرا لكن من غير المنطقي ان نعتبر ان كل المشاكل ستعالج بمجرد هذا الاتفاق، فهذه هي اللبنة الاولى في اعمار التفاهمات والمصالحات في العالم العربي، خصوصا ان السعودية ترى نفسها الراعية للعرب. 
في المقابل، أعادت إيران النظر أيضا في علاقاتها من جهة وفي واقعها من جهة أخرى، وهي بدورها تقدم للروس اكثر مما تأخذ، وهي بحاجة الى كل يد تمد إليها لمواجهة الحصار الاميركي عليها، فيما الصين تقول لها صراحة بأن تعالج مشاكلها مع الجوار أولا قبل أن تدخل يدها الاستثمارية في الارض الايرانية. 
ان المنطقة في هذه الفترة ذاهبة الى المزيد من التغيرات الايجابية، لكن هذا الامر لن يحصل على طبق من ذهب، فالموقف الاميركي واضح حيال أي نقاط تفاهم وأي اتفاق يخالف مبادئها السياسية الميكافيلية بفرق تسد، وإبقاء العالم العربي خصوصا مع جيرانه في حالة نيران مشتعلة حرصا منها على مصالحها من جهة وتأمينا لضمان امن اسرائيل. 
لقد حصل الاتفاق على مستوى ايران والسعودية، وهذا امر ايجابي جدا يجب أن يمتد للعراق ولبنان وسوريا وإلا ستكون كل الخطوات ناقصة، فيما اميركا ستزداد شراسة وسط سعيها الدؤوب للبقاء على رأس العالم، لكن الحقيقة ان التغييرات قد حصلت فعلا والنظام العالمي الجديد قد بدأ يخطو خطواته بحزم وبثقة. 
ولا شك ان العراق في السنوات الاخيرة سعى الى تأمين هذا التقارب السعودي الايراني، إذ تبنى مشروع الاتفاق منذ البداية وأطلق خطابات متعددة حيال اهمية التفاهم للبلدين، وقام بمبادرات عديدة ان كان في حكومة الرئيس الكاظمي ام في حكومة الرئيس محمد شياع السوداني الحالية. 
الايام المقبلة ستكون أيام ترقب وما على الجميع الآن إلا أن يشحذوا همم التضامن والوحدة، للتحرر من الامبريالية وبناء مستقبل عربي لا طائفي.


 


تابعنا على
تصميم وتطوير