رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
مرآة ميديا


المشاهدات 1206
تاريخ الإضافة 2023/01/25 - 8:12 PM
آخر تحديث 2024/04/15 - 6:13 PM

سلوى أحمد
أُصرُ على أني أُحبها ولكنني أكرهها أيضاً، يا لهذا الشعور، دعيني يا ميديا، اذهبي عني، اعتقيني من التفكير، اللعنة عليكِ، أُوشكُ أن أُسلم مخيلتي إلى مفاتيح الهاوية، فمع كل ذهاب إلى عمله تتجلى أمامي سهام الشك والخيانة.
-متى ستعود اليوم يا عزيزي؟
سألتُه وأنا مربكة بوساوس الخوف، خوف من الخيانة، من الهجر، من التجاهل الذي هو نصيب أغلب العلاقات، أجابني بابتسامته المعهودة خارجا من المنزل بأناقته الصاخبة وعطره الأخاذ:
-لو أنكِ تُقللين تقمص دور تلك المعتوهة وتعيشين حياة طبيعية مثل باقي النساء سيكون أفضل لكِ.
-لا تتهمني بالخيال المفرط لتبيح لنفسك ما تشتهي، أنتم الرجال نفوسكم مثقوبة بداء التمرد والتلون لا تصلحون للعلاقات الأبدية، أنتم فقط تعبدون مفاتن المرأة وبمجرد أن تُؤدوا طقوس الغريزة يموت انبهاركم.
استاء بشدة من كلامي، صفع الباب وهو يلعن النساء وعقولهن الصغيرة، لا هدف واضح أمامي، وضبابية الأحداث تستدعي كل آنٍ قرينتها فتحيك معها حكاية جديدة، كان هاتفه النقال خارج التغطية، شتمتُ ذلك المجيب الآلي وأنا أُدير المفتاح بثقب باب لا أعرف أين مكانه، لم يكن المشهد من خيالي، بل كان متجلياً بكامل قباحته أمام عيني.
تداخلت الصور في عينيها ولم تبق سوى صورة واحدة الآن، صورته هو، ثمة صراخ فوضوي أطلقه قلبها الغاضب لما تعيشه من توتر مجنون، العصبية التي مزقت توازنها جعلتها تحطم زجاج المرايا وأغلب التحف المزروعة في زوايا المنزل، شعرت باختناق شديد وهي تشهق أنفاسها بصعوبة، ما تراه ليس خيالاً أبداً، إنه بغرفتها مع عاهرة رخيصة، انهالت عليها هواجسٌ جمة، حقد وحب وندم وقهر، بدأت تُصارع نفسها.
تورمت حنجرتها من حسرات الآه التي تُطلقها بشدة أنين مدفون بالثأر يشبه جوع الفاقدين خبز الحياة، فها هو سريرها الذي اعتادت أن تسمع فيه كلمات الغزل من زوجها الوسيم تحول إلى كومة قذارة رمتها في حانة الشارع.
-يا إلهي يُرهقني هذا الصداع!
تمتمت وهي تقترب من حقيبة فوق المنضدة التي تعلوها المرآة المفضلة لها، والتي رغم مأساتها لم تكسرها كالباقيات، هل ما زالت تملك بعض العقل لتفكر في إبقائها؟ أم أن الجنون له انطباع آخر غير المعهود دائماً؟ أخرجت علبة سجائر وأشعلت واحدة ودنت من النافذة ترقُبُ المارة، لمحته هذه المرة يُغادر مع عاهرته في سيارة حديثة، لم تعد دموعها تحرق خدودها ربما لأنها حفرت سواقي انتقام في وجهها، آراء الأصدقاء والأهل عن العشق صبت برأسها كبر كان هائجا، ولم تلحظ إلا أفواهاً قبيحة مقرعة لها كيفما أدارت وجهها، إنها هي، نعم هي العاشقة الغبية التي تحدت أهلها ومجتمعها للاقتران به، الحب والتضحية، ههههه أي مهزلةٍ هذه، عاودها الجنون ثانية، مدتْ يدها لتحطم المرآة المفضلة فأمسكتْ بها يد مجهولة، ربما صدمة الخيانة أكبر من صدمة أن يتراءى لها مخلوق في المرآة فلم يدب الفزع في قلبها، حاولتْ أن تحل يدها من قبضة تلك الساحرة التي تقهقه بصوت عال وقد تكحلتْ عيناها الجميلتان بدمٍ أحمر، وسورتْ شفتاها بالأسود الطاغي.
-لا تخافي يا قرينتي فأنا منذ آلاف السنين أحيا بقبر الخيانة وأتنقل على بساط الحيرة علني أستطيع إيجاد ضالتي، هل لأنني امرأة أُقتلُ كل يوم؟ وأتسللُ مثل أفعى في مسامات الدنيا من أجلكن، لقد بات السُمُ وشيكاً على قتلي فوجدتُكِ أخيراً لأقتلكِ به، ابتعدتُ خطوة للخلف وقد ذعرتُ منها بحق الآن:
-مَن أنتِ وماذا تفعلين في مرآتي؟
-أنا ميديا، فتاةُ الأسطورة الإغريقية التي خانت وطنها وأهلها لأجلِ حبيب لفظها بضاعة رخيصة على عتبة  الإهمال.
تلعثمتُ   وتساءلتُ:
-وكيف وصلتي   إلى هنا؟
أشارتْ لها تلك الفاتنة الغريبة بيدها وقالتْ:
-اقتربي مني
دنوتُ منها خطوة لكنها اختفتْ في المرآة.
رشت قطراتُ ماء على وجهي، أفيقي أيتها المرأة الضعيفة المنقادة منذ انفصال حبلكِ السري والموشومة بتهم العار عند كل عطسة ذكرٍ، استفقتُ في قصر غريب عُلق على جدرانه تُهمٌ شتى ومشانق عديدة وشلال دمٍ يفورُ في بركة صغيرة وليس سوى صدى لكلمة خائنة فيها طعمٌ للموت:
-أين أنا؟
ميديا تدور حولي وتُجيبني بصوتٍ مخنوق:
-أنتِ في بلاط دفعتُ ثمنه عدة أرواح، ووطن مع قلب   وطفلين.
انتفضتُ صارخة:
-أكرهكِ يا ميديا، أنا لستُ خائنة مثلكِ، أنا لم أبع وطني لأجلِ رجل، ولم أقتل أحداً لأنال رضاه، إنكِ تستحقين ما أنتِ فيه.
ضحكتْ ميديا ضحكة ملأ صداها الأرجاء:
-مخطئة أنتِ يا قرينتي، نحن النساء نبني مع الرجال أمان اللحظة التي نتوق لها، لكننا حين نكذب عليهم نُتهم، وحينما نتمرد نُقتل، لسنا هنا سوى بضاعة لوقتِ الحاجة:
-لن أقبل أن أكون مثلكِ يا ميديا أنا امرأة لي حياة.
قاطعتها ميديا:
-أيُّ حياةٍ لكِ؟ أنتِ أهواءٌ تخطرُ ببالِ الرجل، ونزوة يقضي وطراً معها.
-لا لا، هذا الكلام ينطبقُ على العاهرات فقط يا ميديا.
-مسكينةٌ أنتِ يا قرينتي، هذا ينطبق على النساء جميعاً بكل حالاتهن، فأنا كُنتُ زوجة ولدي أطفال، وكاد لي المكائد لأنني خُنتُ بلدي لأجله، مهما فعلتِ للرجل ستبقين مهددة باللا نعيم، اخرجي من برقع الطيبة هذا وكوني متسلطة قبل أن يُهرمكِ الحبّ، اهزمي شباك الحياة بالغوص إلى قعر لا تصله صنارة صياد عابر، عودي إليكِ قاتلة للأوهام لأنكِ مهما ابتكرتي من أساليب ستبقين بضاعة وكل بضاعة ستُركل بالقدم:
-لكنني امرأة يا ميديا ولستُ سلعة!
-أنتِ امرأة في السماء وسلعة في الأرض!
-شئتِ أم أبيتِ، فقانون الله شيء والساعون في تطبيقه مجرد مخالب تخربش جمال المرأة والحياة.
-لا لا، لن أسمع كلامكِ يا ميديا.
صفعتها ميديا بقوة على وجهها، فنظرتْ مجدداً إلى المرآة لم تجدها، والدم يُغطي يديها الناعمتين...!
 


تابعنا على
تصميم وتطوير