رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
ضوء خافت حول رواية «البحث عن وليد مسعود»


المشاهدات 1205
تاريخ الإضافة 2022/11/30 - 8:13 PM
آخر تحديث 2024/04/18 - 7:08 AM

مهند الأنباري
تُعد رواية «البحث عن وليد مسعود» من أكثر روايات جبرا شهرةً حيث  «يتمحور الخطاب في هذه الرواية حول الفلسطيني وليد مسعود الّذي يعلن باختفائه وجودَه الرمزي ويجعل من حوله يبحثون عن أنفسهم في البحث عنه ويحددون مصائرهم وفق هذا البحث وقد يكون جبرا إبراهيم جبرا بالَغَ في هذا قليلاً أو كثيراً». يرصد خطاب الرواية مجموعة السلوكات والقيم والتناقضات الاجتماعية السائدة في المجتمع البغدادي وهذا المجتمع ترميز بل عينة دراسية وروائية لمجتمع المدينة العربية. «يتناول رواية البحث عن وليد مسعود بوصفها رواية البحث عن الذات، والبحث عن الكينونة والهوية، تطرح بها أزمة المكان بالنسبة للفلسطيني في منفاه واغترابه، تستجلي دواخل الشخوص وتناقضاتها النفسية والفكرية، فترسم صورة للمثقف الفلسطيني في ضياعه ومعاناته».
اختفاءٌ غامض لرجل فلسطيني مغترب فُقِد في ظروف تدعو للريبة لم يترك خلفه سوى تسجيل صوتي يتحدث فيه عن علاقاته المتعددة، ويحاول أصدقاؤه تتبع أثره وحل اللغز.
أثناء عملية البحث يكتشف الأبطال أنهم يبحثون عن أنفسهم أيضًا، وترى خلال الأحداث إرهاصات النكبة الفلسطينية بشكل عام وما خلّفته في نفسية الإنسان العربي من شعور بالخذلان والضياع وفقدان الهوية والانتماء.
قراءة «البحث عن وليد مسعود» تضعها في مكانة مختلفة فكريًا وفنيًا عن كل روايات جبرا الأخرى إذ هي جسَدت تفاعلًا مباشرًا مع الموضوع الوطني الفلسطيني سواء من حيث القصة وأحداثها أو الشخصية الرئيسة (وليد مسعود)، ثم أيضًا من حيث التفاصيل والجزئيات الثانوية أو لنقل الأقل أهمية، وهي جميعًا عناصر وسمت الرواية بأنها سياسية بامتياز. هي تجربة وضعت الشأن الوطني – السياسي في قلب المغامرة الفنية لكاتب يولي المستوى الفني اهتمامًا خاصًا لا نبالغ حين نقول إنه يميزه عن غيره من كتاب الرواية ويمنحه كل مرَة حضوره المختلف. هنا بالذات حققت الرواية بنيتها الفنية المؤسسة على وعي العلاقة بين الموضوعات الكبرى وما تحمله عادة من اهتمامات كبرى عند قرائها، وبين الوعي الجمالي العالي الذي يطمح لإقامة التوازن من خلال تفاعل حيوي لا يركن لنبل القضية المطروحة ولا يتكئ على عدالتها، بل هو على العكس تمامًا من ذلك يسخر الجماليات الفنية العالية لخدمة العمل الروائي في سياق طبيعي متوازن.
لقد تشكل وليد بوصفه مركز السرد، أو بؤرة مركزية للتداول والتساؤل والغموض، وهنا نعثر على إحدى مميزات الاقتلاع، من حيث قدرة المقتلع المنفي على اختلاق وعي للحياة، ومقاومة الفناء والتلاشي والذوبان عبر خلق أنساق مادية، وفكرية وحضارية في العديد من روايات الوعي الفلسطيني في مرحلة الاصطدام بالمنفى، لقد جمع وليد بين سعي مادي كان يراه ضرورياً للبقاء والحـــياة، ولكن ثمّة أيضا سعي فكري، فوليد وُصف في الرواية بأن لديه ذكاء فطريا، فهو يعمل كطاحونة. ولعل هذا التكـــوين الخــــارق للشخصية الفلسطيــــنيّة نتـــج بفعل الاقتلاع، والوعي بأنك مشتت لا تملك شــــيئا، سوى أن تكون، وأن تنهض بالذات، والمجموع، فأنت لا تمتـــلك سوى القتال، فبعد أي حــروب لا بد أن تعود الأمـــور إلى نصابها، أو للوضع الطبيعي باستثناء المشكلة الفلسطينية، فوليد كما أي فلسطيني عايش أكثر من خمسين سنة الصراع، فلا جرم أن ينبثق تساؤل في وعي الشخصيات المقابلة له، وقوامه «كيف يمكن له أن يعمل، وأن يبني ويقاوم».
أحاط بكلمة مسعود الأخيرة جوّ مليء بالتشرذم والشتات، يختلط مع مضامين متشعّبة، إنْ وقتما تحدّث عن شهْد وما تمثّله له من صورة بهيّة للحياة العذبة الهادئة، أو حين استرجع ملامح من الطفولة مسافرًا عبر الزمن ومخترقًا قدرة الذاكرة الإنسانيّة على وسع ما قد استرجعه من محطّات حياتيّة مختلفة، حتّى وصل إلى استفهام مهمّ وصادم هو إنْ كان يريد الموت (ص ٣١). يبدو وكأن مسعود يحاول مسح كل ما في ذاكرته ووجدانه من هواجس ويتقفّى كلًّا منها ليصل إلى النقطة التي يريد التشديد عليها.. ولكنّه لا يصل .


تابعنا على
تصميم وتطوير