رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
السرد واللاسرد ..قراءة في رواية “ لطائف السمر “ للكاتب السوري “ميخائيل الصقال“


المشاهدات 1232
تاريخ الإضافة 2022/11/29 - 8:22 PM
آخر تحديث 2024/04/13 - 9:20 AM

حسن الإلياسي
أصدر الكاتب السوري « ميخائيل الصقال » روايته «لطائف السمر في سكان الزهرة والقمر» ، في القاهرةِ.
يمر فعل السرد في الرواية بمرحلتين متناقضتين :
أولا : السرد.
ليس لمستوى السرد حضور قويّ ، غير أنه استعمل كمنطلق لمسار الحلم الذي يمثل النواةَ. فكان استهلاليا فحسب ، اقتصر توظيفه في البداية ( الفصل الثالث) لأجل تحديد الزمان (السادس عشر من شهر آب سنة إحدى وتسعمائة وألف)، والمكان (الدار) ، و الحدث (فعاينتُ والدي مقبلاً عليَّ).
السرد الاستهلالي الموظَّف يقوم به سارد مؤقت ، يموضِع القارئَ / المتلقيَ ضمن السياق العامّ من خلال استحضار معطياتِه (الزمان/ المكان / الحدث). ثم يتوارى من بعدُ.
لمّا يأت هذا الشكل السردي لوحده فقطّ ، بل تبعه سرد داخليٌّ غيره ، يقف عند حدّ مخاطبه الأوحد ، ولا يتخطاه لأحد سواه. والقائم به - كالأول - مؤقت ، أيضاً.
إذن ، فلنا شكلان متضادان من فعل السرد : خارجي (استهلالي) مساحة التلقي من خلاله تكون واسعةً ، و داخلي محدَّد المخاطَب ، من قبيل :«لما فاضت نفسي حملتها مركبة برقية فمرت بها مرور البرق تقصد السماءَ الثالثة حتى وصلتْ إلى مدينة القضاةِ».
باستعمال هذا النمط (السرد المؤقت)، ففعل السرد يشذ عن المألوف، أي السرد المتواصل الملازم ، الذي تتوالى به الأحداث، حدثاً تلو آخر.
كما ترتبت الوحدة عن هذا النمَط في ثلاثة عناصر رئيسة، أولها : الحدث. وثانيها : الزمان. وثالثها : المكان. بمعنى أن مجيء أزمنة أو أمكنة أو أحداث ذات أهمية كبيرة لا يحصل إلا مرة واحدة. وما دونها إنما هو عضوي، لا يحمل قيمة كبيرة. لذلك، كان القول أن كل مكون من المكونات الثلاثة يتصف بالوحدة.
وكذلك ، انحصر مكون الشخصية الرئيسة في شخصيتي الوالد والابن اللتين تختصّان بمجموعة من الخصائص نجمِّعها فيما يأتي:
1.الابن :
- سارد مؤقت أول.
- اهتم بإيراد السياق (سارد خارجي).
- دونما تسمية.
- مخاطب.
2.الوالد :
- سارد مؤقت ثان.
- سارد داخلي.
- دونما تسمية.
- اهتم بذكر وقائع ما بعد الموت ؛ وفاء لوعده لابنه بأن يعلمه كل ما رأى وعلِم ، بعد الرحيل.
هناك اختلاف - على مستوى أهمية الشخصية - بين السرد الخارجي والداخلي، فالأول تتواجد ضمنه الشخصيتان الرئيستان(الوالد، والابن) في موقع مركزي ، وليس المجال مفتوحاً للشخصية الثانوية والعابرة. وعلى النقيض، تظهر ضمن مجال السارد الداخلي شخصيات ثانوية من قبيل ( القضاة ، القاضي الأكبر، الجالس في الوسَط).
ثانيا : اللاسرد.
بتوقف العملية السردية ، تظهر وظائف جديدة للشخصيتين الأساسيتين ، وظائف خِطابية صرفة. وهي : (المتكلم البارز /الواصف / المحاوِر) وكلها ل(الوالد)، ثمّ (المحاور/ المخاطَب) اللتين يؤديهما(الابن).
تأخذ شخصيّة(الوالد) حيزا كبيرا جدّا باعتبارها متكلما بارزاً ، ذا حضور قوي ، يقوم بدورين مختلفين: الواصف، والمحاور.
إن أكثر هاتين الوظيفتين وجوداً هي (الواصف). أما( المحاور) فقليلة الحضور ذلك أنّ وفاء( الوالد) الراحل بوعده لابنه اقتضى مساحة وصفية خِطابية واسعة.
إن كانت الشخصيتان الرئيستان اتخذتا لنفسيهما وظائفَ أخرى، فإنّ مجال «اللاسرد» ظهرت فيه أيضا «اللاشخصية» أي الأسماء المجرّدة، الخارجة عن نطاق التأثير باحتفاظها بموقعها الهامشيّ كجزء من المجال الوصفي. مثل : (الشعراء/الأطباء/المريض/القضاة/الحسناء).
وظيفة (الواصف) تتأسّس على الخيال والمقارنة، موازية المخاطَب الأوحد (الابن).ولكل منهما سِمات متفردة ، نورِدها في تقسيمنا الآتي :
1 -الخيال :
-إيلاء «عالم الزهرة» أهمية كبرى.
-الكمال والمثالية، فساكنة «الزهرة» (فَلَك الخيال) جملة من رفيعي القدر ، لا يشذون عن الصواب، هم المثل الأعلى والأكمل في شؤون الحياة جميعها.
-التعدد المجالي (الدين، المجتمع، الثقافة...).
2 -المقارنة :
-ثبات الحقيقة (الزهرة مقام الأبرار الصالحين، والأرض سجن العاصين)، إذ لا يبرح الأرضيون أحوال النقص والانحطاط والشقاء - خصوصا - في المستوى الديني.
-اعتماد الخيال كشفاً لنقائص الأرضيينَ ومكانتهم المبتذلة.
أما الوظيفة الثانية (المحاور) فتحضر ، وكما قلنا سلفا، في حيّز ضيق بموازاة المحاور المُقابل (الابن). مثلا :«وقلت لوالدي : يقول بعضهم أنّ الأديان قوانين وضعها العاقلون غير مقرّين بالأنبياء والرسُل. فقال : لو تأمل الإنسان حكمة كل نبي ورسول التي تفوق مدارك قومه ، وإذا دقّق في تعاليمها السامية وغايتها الشريفة منها وما يصدر عنها من الفوائد العائدة على الإنسان بالخير والراحة ، ونظر في معانيها التي هي أرقى وأعلى من معاني قومه بكثير مع أنه منهم...».
من خلال العملية الوصفية-المقارِنة ، يبدو التضاد الحاصِل بين الثنائية المكانية (الزهرة والأرض) في وحدتين دلاليتين مركزيتين متناقضتين ، نستفيض في عرض معطياتهما ما أمكنت الاستفاضة. وهما:
1 -وحدة المثالية والكمال:
-الزهرة موطن العابدين الصالحين؛
-الزهرة جزاء الصلاح    والتقوى؛
-انعدام الكتب الدينية؛
-اللغة واحدة ؛
-غياب المنتديات والعذرات (أماكن القهوة)؛
-اكتراث الرجل بأسرته وقت فراغه؛
-تحاشي الاختلاط؛
-العلم والفن، والمعرفة مقاييس لانتقاء الزوجة ؛
-التساوي في اللباس بين الأغنياء والفقراء، في كل عرس أو وليمة؛
-غياب التمويه والطلاء، والخِضاب؛
-الاكتفاء بسد الحاجة من اللباس ، و المأكل ، و المشرب ؛  اتقاء  لضرر  الإفراط ؛
-إجادة التعامل مع الطفل في كل صغيرة وكبيرة ؛
-يُسر اللغة والعلوم، وقلتهما ؛
-المدرسة محلّ المنفعة العظيمة للتلميذ؛
- القضاة أكفاء؛
- ردّ الحقوق؛
-المحامون شرفاء    أكفاء.
2 -وحدة التردي والنقص:
-الأرض موطن العصاة والضلّال؛
-الأرض عقوبة العصيان؛
-مؤلفات دينية ضخمة  تفضي إلى تفرق الآراء ، وحدوث الاختلاف ؛
-لغات متعددات  تسبّب البغضاء بين الناس؛
-انشغال الرجل بالمنتديات والعذرات عن أولاده ، وأشغاله، ومصالحه؛
-ترك الأسرة، والذهاب للمنتديات والملاهي؛
-كثرة الاختلاط المفسد؛
-الثروة و مكانة الأسرة معياران لاختيار الزوجة؛
-التفاوت في اللباس بين الأغنياء والفقراء؛
-وجود التمويه والطلاء   والخضاب؛
-الإفراط في المأكل والمشرب، واللباس ما يعود بالضَرَر ؛-غياب العِناية اللازمة بالطفل؛ 
-صعوبة اللغة والعلوم، وكثرتهما؛
-المدرسة إفساد أخلاقي للتلميذ؛
-القضاة غير أكفاء؛
-إضاعة الحقوق؛
-المحامون أنذال.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير