جريدة الزوراء العراقية

طقوسهم وهم يكتبون


مما يروى من طرائف الأدباء والشعراء والكتّاب إن لكل منهم طقساً خاصاً حين يباشر عمله الإبداعي في ساعات التجلي والإلهام، فشاعر رقيق مثل نزار قباني كان يتهيأ للحظة كتابة القصيدة وهو في كامل أناقته، وبين يديه مجموعة من الأوراق الملونة، وردية وخضر وبنفسجية مع أحبار ملونة أيضاً، فهو يريد أن يستقبل قصيدته مثلما يستقبل حبيبته، في حقل من العطور والألوان والأضواء مع فنجان قهوة وتبوغ معطرة . وكان القاص والروائي يوسف إدريس يثقل كاهل أسرته حين يكتب، زوجته كانت ترتب له كل شيء وتحضر له الأوراق والأقلام والأحبار والأجواء الرومانسية، وتسهر معه حتى الصباح لكي تلبي طلباته، وحين يهجر النوم لأيام متتالية كانت هي تسهر على راحته وتلبي كل ما يحتاجه، وما عليه إلا أن يكتب قصصه لكي تتنفس الأسرة الصعداء بعد انتظار أشبه ما يكون بانتظار مولود في صالة الولادة. ويعرف عن الروائي الكبير نجيب محفوظ أنه كان يخطط بدقة لعمله الإبداعي ووقت تفرغه للكتابة، حتى إن الكثيرين من المقربين منه كانوا يضبطون ساعاتهم بمراقبة تحركاته ما بين مسكنه واستراحته في المقهى أو تجواله أو إضاءة المصباح في غرفته استعداداً للبدء بكتابة قصة أو مقال أدبي، أو استكمال مشروع روائي ينمو يومياً بين يديه وفي أوقات محددة معلومة بالساعات والدقائق التي لم يحد عنها لا قبل  جائزة نوبل ولا بعدها. أما أستاذ الفلسفة حسام محي الدين الآلوسي، فكان لا يحلو له التفكير والبحث الفلسفي العميق إلا وهو جالس في صالة بيته بين صوت التلفاز المرتفع، وعبث حفيديه ولهوهم وصخبهم، فقد كان عقله الكبير غير منفصل عن قلبه الكبير الذي يتسع لمحبتهم ولا يمنع العقل من ممارسة دوره بين الصخب والضجيج والأحاديث الأسرية التي لا تنتهي حتى لو انتهى من انجاز بحث أو كتاب فلسفي جديد .
وقبل سنوات صدر كتاب بعنوان « طقوس الروائيين « وهو بجزئين للكاتب السعودي عبد الله الداوود رصد فيه طقوس الكتابة وأين ومتى وكيف يكتب الروائيون، تحدث فيه عن روائيين عالميين معتمداً على المعلومات المتوفرة عنهم، لكنه ضمن الكتاب أيضاً معلومات حصل عليها بعد اتصاله بعدد من الروائيين العرب، وكانت المفاجأة أن روائياً مثل جمال الغيطاني كان يعيش أزمة نفسية حين يكتب قد تجعله يفكر في الانتحار، وذلك ما أقدم عليه فعلاً الروائي الأميركي آرنست همنغواي الذي أنهى حياته برصاصة بندقية صيد بداية الستينيات، علماً انه أعاد كتابة آخر صفحة في رواية «وداعاً أيها السلاح « تسعاً وثلاثين مرة قبل أن يرضى عنها، وكان يصحو ليمارس الكتابة في الصباح الباكر قبل أول ضوء حيث لا يوجد أحد يزعجه، فهو يعتبر الهاتف والزوار مدمران للعمل والكتابة .
وهناك أمثلة كثيرة عن طقوس الكتابة عند شعراء وروائيين وكتاب وصحفيين من مختلف أرجاء العالم، لكن هناك أيضاً من يكتب من دون طقوس ولا أوراق ملونة ولا تبوغ معطرة،  وفي أصعب الظروف وأقساها، والمعروف ان الشيخ الصحفي جلال الحنفي كان يكتب رؤوس أقلام صحفية وهو في جامع الخلفاء، ثم يحمل الأوراق في جيب جبته ويسير مسافات طويلة مشياً على الأقدام أثناء تعرض بغداد لقصف الطائرات فيما يسمى بحرب الخليج الثانية، ليوصلها للجريدة التي يكتب لها، فيما كان محررو الصحف وكتابها يكتبون في الملاجئ، أو تحت القصف الشديد الذي تهتز بسببه مكاتبهم ونوافذ غرفهم، ولكل صحفي وأديب وكاتب عراقي حكاية فريدة عن أيام الحروب، طواها النسيان، أو أوشكت على ذلك، فيما عدا ما تم تدوينه من قبل الكتّاب أنفسهم، نشروها أم بقيت طي أوراقهم، أو في مجرات ودواليب مكتباتهم .
 ومن الطرائف والنكات التراثية في هذا المجال أن خادماً سأل مولاه الثري إن كان يكتب شعراً في بعض الأحيان، فأجابه مولاه : إذا كنتُ جالساً على حافة نهر جميل، تحف بي الأشجار والزهور والحشائش وأصوات البلابل والطيور والوجوه الحسان، وأمامي مائدة عامرة بما لذ وطاب من الفاكهة والأطياب والأعناب، فمن المحتمل إنني سأكتب شعراً. فلم يتردد الخادم أن يقول لمولاه : يا مولاي، في مثل هكذا أجواء فأنه من المحتمل أيضاً أن يكتب حصاني شعراً ! .
 


المشاهدات 1342
تاريخ الإضافة 2022/11/20 - 8:06 PM
آخر تحديث 2024/03/28 - 9:29 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com