رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
استنطاق اللحظات الشعورية في (دالية العنب الذهبي)


المشاهدات 1415
تاريخ الإضافة 2022/09/29 - 12:54 AM
آخر تحديث 2024/04/15 - 4:29 PM

علوان السلمان
القص القصير جدا نص حداثي يقوم على اسلوبية الكم التي تلتزم الصياغة المركزة ايجازا وتكثيفا  في اللغة واختزالا جمليا وابتعادا عن الاستطراد الوصفي والحذف والاضمار والرمز والضربة الاسلوبية مفاجئة..  اضافة الى الكيف الذي يعتمد ابراز الحدث والفكرة في الرؤية التعبيرية الدالة على الايحاء في البنية النصية..
وباستحضار المجموعة القصصية(دالية العنب الذهبي) التي نسجت عوالمها انامل منتجها محمود الخياط واسهم الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق في نشرها وانتشارها/2021.. كونها تستنطق  اللحظات الشعورية عبر نسق لغوي قادر على توليد المعاني من اجل توسيع الفضاء الدلالي للجملة الشعرية..
(قفز نحو الغرفة.. نحو القفص.. حمله وفتح بابه.. ولوهلة بدت البلابل وجلة.. وبعدها طارت بعيدا عن القفص نحو الشباك..نحو السماء..
بعينين اغرورقت دمعا ينظر نحوها وهي تطير.. وصوت التلفاز اصبح بعيدا كصورة التقطها للبلابل وهي تغادر القفص..
وعينيه نحو الشباك المفتوح..نحو اسراب الطيور وهي ترفرف نحو الغيوم..وهي تردد(خليك بالبيت) هي الان في البيت وهو..(في البيت) ايضا..
  فالمنتج(السارد)يعتمد تقنية السرد لبناء نصه المؤثث بالتداعيات التي يضخها زمن خارج الذاكرة..والمتميز بتراكم الصفات التي اسهمت في الكشف عن توتر نفسي.. فضــلا عن توظيــفه الفعــل الدرامي(قفز/حمل/التقط/تغادر/ ترفرف/ تردد) الذي ياخــذ ابعادا (نفسية (/اجتماعية..)تؤطر النص المزاوج بين لغة الجسد والروح كي يمنح متلقيه نشوة الاداء السردي الذي يمسك بانزياحات المعاني التي ينتجها وهو يخوض في غمار التجربة التي تسبح ما بين عوالم الذات والموضوع..اضافة الى انسنة الحيوان التي جعلها فعل فاعل ومتفاعل في البناء النصي..
(تتدلى فيها دالية العنب الذهبي..وتلك المياه الغامرة لكفوف صبية وهي تنثرها على ارضية البيت لتمنح نسمات الحياة رونقها حاملة افرشة المحبة لتنضدها على السطح السماوي..يفترشها ملائكة الدار وبضع رقيات في براد الخشب..تنتظر ارباب البيوت.. ونعي حزين يتدفق بصوت خفيض..فعسس السلطة ينتظرون.. تقودهم الاحاديث نحو الف ليلة وليلة..فهي بكل ارجاء الكون..وشهرزاد يكتمل حديثها وشهريار يخفي سيفه..الباحة اتسعت لهم واصبحت ارضا لالاف الليالي..فهي تحتضن ذكرياتنا...ذكرياتهم... تحتضنهم....) ص27
   فالنص يتميز بجمله المكثفة.. الموجزة..والفاظه الموحية.. المركزة على الفكرة باعتماد البناء المشهدي المتكىء على جمل قصيرة موسومة بالحركة..بلغة يومية قائمة على الاستعارة والمجاز والرمز لخلق نص يكشف عن ذاكرة منتجة مستفزة للذات الاخر..وهي تنسج نصها بذهنية متفتحة ورؤية باصرة لوعي الفكرة وتحقيق اضاءتها..باعتمادها اللفظة المركزة..المكتنزة بالايحاء والمتميزة بالانسيابية والتدفق... من خلال تركيز الجملة داخل عوالم البناء المتدفق شعوريا بوحدة موضوعية وفكرية مركزية يحلق ويحوم حولها المعنى..
(تقوده قدماه بشكل متسارع نحو ضواحي مدينته..واضاءة خافتة تثير الدلالات.. يجلس على مصطبة الشارع ساحبا عقب سيكارة من جيب سترته المتهرئة..يرسم دوائرا بدخانها المتصاعد..فهم لايعرفون انها اعقاب سكائر..ويبتسم..يضحك والمارة ينظرون اليه فهيئته الرثة تثير ابتساماتهم الخبيئة..ويعود لمقعده على تلك المصطبة ويرسم..منذ طفولته يرسم..وتلك الفرشاة السحرية في يده ارث اسلافه..فيرسم تفاحة لياكلها..وقناني ماء وكولا وغذاء: طعام للفقراء..وكتابا يقرأه..وسيكارا كوبيا فاخرا يخفي عقب السيكارة في جيبه..وينظر للناس ويبتسم..ففرشاته السحرية للفقراء فقط..ويرسم بابا ويكتب:هنا مأوى الفقراء..هنا بيتهم..ويدخل..) ص49..
  فالنص يشكل شكلا من اشكال الحداثة التي تحالفت والتحولات الفكرية والفنية والمؤثرات الخارجية لخلق عالم معبر عن احساس شعوري من جهة والمساير للعصر الذي وسم بعصر السرعة من جهة اخرى...عبر الاقتصاد في الالفاظ والايجاز والاختزال الجملي لخلق نص يتسم بخصوصيته التركيبية ووحدته الموضوعية.. مع ايحاء وتفرد في بناء صوره المشهدية بتوظيف لغة موحية بالفاظها متفردة بفكرتها المنبثقة من بين تناسقها البنائي....حيث ان (الشكل والمحتوى مندمجان في عملية الخلق الادبي..)..على حد تعبير هربرت ريد.. 
(اصبح فضولي اليومي ان اشاهد الكهل ذا الحدبة ومحله الصغير ومفاتيحه المبعثرة.. واحدث نفسي:الله ما اجمل هذه المفاتيح التي تمنع غلق الابواب..انها الجن الحامي لبيوتنا..فهي المفاتيح وليست المغاليق.. ولكل منا مفتاحه ولكل منا نجمته..
اقف مندهشا نحوه وهو ينحت مفتاحا..يمسك ازميلا وادواته الدقيقة..ايه نحات المفاتيح..بتلك المطرقة الصغيرة يرسم اخاديد المفاتيح لتكون سرها..فلكل مفتاح سر..ولكل منها شفرة..
جمعت مصروفي اليومي لاسبوعين وذهبت اليه:ياعم..يا عم..اريد قفلا صغيرا لحقيبتي الصغيرة..ابتسم نحوي: ما معك من نقد لا يكفي..لكني ساساعدك واعطيك هذا القفل الازرق ونجمة مفاتيح معه..
مسرعا ذهبت نحو الدار وعصافير الفرح تزقزق حولي وعلى كل بيوتات الحي..
دلفت لغرفتي ودندنة الفرح ما زالت معي..فاليوم اصبح لدي مفتاحي الاول..وصندوق للاسرار..وغفوت نحو احلامي..)  ص72..
  فالنص بمجمل تحركاته الرامزة ودلالاته اللفظية المعبرة عن الحالة الشعورية والنفسية باسلوب دينامي حالم وعمق دلالي يتداخل والسياق الجمعي بقدرته التعبيرية المختزلة لتراكيبها الجملية والمتجاوزة للقوالب الجاهزة..فكان تشكله وفق تصميم ينم عن اشتغال عميق يعتمد الجزئيات وينسجها نسجا رؤيويا يرقى من المحسوس الى الذهني..
  وبذلك قدم المنتج( السارد) نصوصا تميزت ببنيتها الفنية والفكرية القائمة على المشهدية وتحويلها الى بناء فكري وذهني..


تابعنا على
تصميم وتطوير