رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الشاعرة سيدرا الأسعد.. نبض شعري مختلف


المشاهدات 1421
تاريخ الإضافة 2022/09/27 - 7:09 PM
آخر تحديث 2024/03/23 - 4:05 PM

بقلم/ أبو الحسن الجمال – كاتب من مصر 
عُرفتْ دمشق ومنذ القِدَم بأنها خير مواكب لجميع الأنشطة الثقافية، وتغنّى بها الكثير من الأدباء والشعراء، وكتب عنها المؤرخون والأدباء والشعراء، وتغنوا بجمال مناخها ومروجها وباديتها وشعبها، والحقيقة أن الشام كله -ودمشق أقدم عاصمة عربية في القلب- قد أظلت بظلالها الوارفة على كل البقاع، وما من سوري يحط رحاله في كل بقاع إلا ووضع بصمته الحضارية فيها.. وقد كتب عن الشام المئات المؤرخين في من أمثال: الواقدي، وابن عساكر، وغيرهم.. ولكن في العقد الأخير تعرضت سوريا العزيزة لفتنة أقضت مضاجعها وهددت السلم الاجتماعي لها، وتشرد أهلها في البلدان، وقد آثر الملايين أن يواجهوا الخطر ولم يغادروا بلادهم، يناضلون بالكلمة والشعر، ومن أمثال هؤلاء شاعرتنا الفضلى سيدرا الأسعد..    
وسيدرا الأسعد شاعرة سورية من مدينة حماة العريقة، غزتها ربة الشعر منذ فجر شبابها، حيث بدأت كتابة الشعر في المرحلة الإعدادية بمحاولات متواضعة، ثمّ اتّجهت إلى كتابة الشعر العمودي وشعر التفعيلة والنثر الخاطرة، وقد ألهمتها طبيعة بلادها الخلابة والمروج والأنهار، فألهبت التجربة لديها، وهي شاعرة مسكونة بالوطن وفي جل ما تكتب تستلهم أفكارها منم أوجاع بلدها ونبضاته ويتضح ذلك جلياَ في قولها:
يمضي الوجود بهديه وضلاله *** نحو الثريا يحتفي بمآله 
سوريتي اعتصمت بها كل الدنى *** من كفها بزغ الهدى بكماله 
وتكمل الشاعرة في قصيدة أخرى بانسيابية ولغة متميزة وتؤكد تمسكها بالطبيعة وتعلقها والتصاقها بها من خلال ربط العاطفة تجاه الحبيب بالمعالم الجميلة، فتقول:
حبنا نقش ببال الحجر ***شهقة العطر وبوح الوتر
ثم تكمل تزيين تحفتها فتقول: 
منذ كنا يافعين *** اتحدت خفقة الشوق بكل الصور
فنقشنا حلمنا فوق السما *** ومنحنا قطعة للقمر 
وقد أغرمت بشعراء العرب الكبار في كل العصور ووقفت عند تجاربهم وأعجبت بشعر المتنبي وصوره وحكمته وهو حكيم العرب.
وفي هذا تقول: “كنت أحبّ أن أقرأ للشاعر الكبير المتنبي مالئ الدنيا وشاغل الناس ، ولجميع أبناء جيله، وأعتقد أنه ترك أثراً بالغاً في نفسي حيث اتّجهت لكتابة الشعر العمودي بألفاظه الجزلى، وكتبتُ أيضاً شعر التفعيلة والخاطرة، وأشكر الله أنّ ما أكتبه قوبِلَ باستحسان وكان له وقعاَ طيباً في نفوس القرّاء”.
  وتأخذنا الشاعرة معها في رحاب تلاحم شعري يصل بين الكلاسيكية والحداثة متنقلة بين البحور الخليلية بكل براعة فتقول في قصيدتها عن الشعر:
عرس الحروف هنا مقام نصبه *** بخلاصة الأمطار نبض يخفق 
بحفيف نورٍ لا يجاري ظله *** وعصير شمسٍ في الثنايا يشرق 
إن القصيدة لوحة من أنجم *** وسحابة فيها البريق المطبق 
 كما أغرمت الشاعرة سيدرا الأسعد بشعراء العرب المحدثين من أمثال: محمود سامي البارودي، وأحمد شوقي، وحافظ إبراهيم، ونزار قباني، وصلاح عبد الصبور وغيرهم.. وشاركت في مهرجانات وأمسيات ثقافية، كما حصلت على العديد من شهادات التكريم ونُشرت قصائدها في الصحف والمجلات العربية، واختيرتْ قصائدها كأجمل نص مرات عديدة.
 وحول تجربتها الشعرية تقول: “الشعر بالنسبة لي ملجأً ألوذ به وإليه كلّما ضاقت بي مناكب الحياة وسبلها، فأفرغ لديه حقائبي المثقلة بالغضب أو ربما الفرح والحزن، وأصبّ به ما يجيش في نفسي من مشاعر علّها تكون خيراً بالناس، إنّ الشعر نزيف لذيذ كلّما زادت حدّته نضبَ الألم واخضرّت الأفكار.”
كتبت الشاعرة سيدرا الأسعد الشعر بكل أشكاله، ولديها معجم شعري ثري يؤكد استواء التجربة الشعرية وتنوع أغراض الشعر، فكتبت القصيدة العاطفية، والوطنية والاجتماعية.. 
وتبرز الحكم من أيضاً من بين سطور الشاعرة من خلال اسقاطات تميل إلى تكييف الصورة مطواعة مع ما يعكسه الواقع المعاش فتقول ناصحة:
لله روحك، إن رفعت مكوثها *** فيك .. احتميت وصنتها فوق البشر 
وإذا ارتحلت فإن ذكرك ماطر *** فبأي ذكر بين صرخ الأثر 
فأغرس هوي ليعم في الدنيا هوى *** واخلد برحم الكون وأملأه عبر 
 ومن قصائدها مناجاة لحبيب أن يعود إليها بعد أن تذكره بأيامها السعيدة معه، وكيف أصبحت تجتر هذه الذكريات بحزن يغلف قلبها في بعده فتقول:
أنا في بعده أجترّ حزني ** * تغادرني رياح الأبجدية
حبيبي قبلنا الأيام ضاعت *** فلا تهدر نسائمنا الثريّة
ولا تجعل شغاف القلب ناراً  *** تحرّقنا كنيران القضيّة
شعاعٌ منك يكفي الكون نوراً *** وسحرك قد سما بالآدمية
 فلو بالحلم راودني خيالٌ *** يئنّ الناي ألحاناً شجيّة..
مليك سور الأقدار ظلماً *** وزاد سناه بطشاً بالرعية
أسائله وارجو منه عفواً *** هل السياف يرأف بالضحية
وإذا سكبوا عبيره فوق قبري  *** من الموت المحتم عدت حية.
كما تفتقت الشاعرة من أعماق قلبها قصائد تؤكد تفاعل الشاعرة مع قضايا بلادها الراهنة، والمؤامرات التي حيكت ضدها، وهددت سلامها وجمالها وطبيعتها الخلابة فتقول:
مللتُ العيش في زمن الحيارى *** ورحتُ أجوبُ هاتيك  الديارا
 فمذ للحرب قد شَرعتْ نفوس *** وحكم العرْب كم يحوي صغارا 
عرفنا من طفولتنا التآخي  *** فبيتُ العرْب قلبٌ لا يُجارى
 فكم في الحرب كنا خيرَ غيثٍ *** وكم للسّلم ردّدنا الشعارا
ألم نحفظ قصيداً في قلوبٍ *** ونهجعْ فوق أحرفهِ سَكارى؟
 ألمْ تجزعْ لنكبتِنا حروفٌ؟   *** نسيمُ الضّادِ يلعنُكمْ جهارا
 بكاءُ البردِ في طفلٍ يتيم   *** يهزّ جهنّماً ويأجُّ نارا 
وبات الدارُ يلفظنا جياعاً  *** وصمتُ الأفق لم يدركْ نهارا
والشاعرة سيدرا الأسعد عروبية مهمومة بقضية وطنها الأكبر، تتمنى له الوحدة والتآخي والرخاء، وأن يعود إلى سابق مجده يوم أن كان العرب أمة واحدة، ففي قصيدة “عروبية” نجد الانتماء يبدأ من وطنها الصغير سوريا ليمتد إلى خارج الحدود المصطنعة فتطير حروفها محلقة فوق أجواء مصر الكنانة ولبنان الشقيق، والقدس الأسير، والمغرب والسودان وتونس والجزائر وليبيا والعراق والأردن وعمان .
فتقول عن مصر الكنانة: 

أرض الكنانةِ كم أتوق إلى اللقا *** وبها الربيعُ الثّرّ في آكاله
فبمصرنا اختبأ القصيدُ بنشوةٍ *** في نيلها بجماله ودلاله
أما مدينة القدس التي أصبحت هم كل عربي فتقول عنها:
والقدسُ تغفو رغم كل جراحها *** في ثائرٍ شغَلَ الدّنى بمحالهِ
مازالَ يزأرُ ضارباً كفَّ الوغى *** حتى يلوح النصرُ من أوصالهِ
وبعد فإننا نجد من خلال قصائد الشاعرة سيدرا الأسعد بأن هناك خيط جميل يصل بين حبات اللؤلؤ في ديوانها (نبض مختلف) الذي صدر مؤخراً، فيجمعها بحروف نابضة نبضاً مختلفاً بحق، ونجد بأن دماء القصيدة أنبتت حقولاً من الأقحوان، فنحن بإزاء تجربة شعرية صادقة، وأننا لنهنئ الشاعرة بمولودها الجديد على أمل أن نلتقي معها في داوين جديدة في قابل السنوات .

 


تابعنا على
تصميم وتطوير