رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الفراغات النصية وتأثيثها الفكري والجمالي


المشاهدات 1323
تاريخ الإضافة 2022/09/27 - 7:08 PM
آخر تحديث 2024/04/23 - 12:29 PM

 أحمد الشطري
كثيرا ما يصادفنا ونحن نقرأ النصوص الإبداعية بكل تشكلاتها الصورية واللغوية
فراغات مبهمة تسبب انقطاعا تواصليا مع الدفق البوحي، ولكنها تفتح في أذهاننا علامات استفهام متعددة عما يمكن أن يملأ تلك الفراغات.
والواقع أن تلك الفراغات يمكن أن تشكل نصوصا صامتة تفتح بوابة التأويل؛ لاجتراح صور ذهنية تساهم بإعادة التواصل مع النص المكتوب، وهذه الاجتراحات قد تتفق أو لا تتفق مع النص الموجود في ذهن منشئ النص، بيد أنها تصبح حقا من حقوق المؤوِل، وليس من حق منشئ النص أن يفرض رؤيته مستقبلا، ولكن هذه الاجتراحات أو الاقتراحات القرائية لا بد أن تكون مبنية على معطيات تقدمها الفضاءات الناطقة المجاورة وليس عملية اعتباطية أو رغباتية، مثل تلك التي يقدمها لنا تعسفا المثل المتواتر  الذي يقول:” إن السكوت علامة الرضا” والحقيقة أن السكوت ليس دائما علامة للرضا بل أحيانا يكون علامة للرفض والثورة المكبوتة، ولكي تتحقق قراءتنا واقتراحنا التأويلي للسكوت لا بد أن ننظر بالجوانب التي تحيط به، وأن نفتح أبواب تساؤلات متعددة من مثل: ما الذي يمنع منشئ النص من إملاء ذلك الفراغ أو إنهاء حالة الصمت؟ هل هو الخوف أم الخجل أم شيء آخر؟ 
واذا افترضنا وهو ما نراه أن الخجل يمكن أن يندرج تحت مسمى الخوف أيضا وإن كان من نوع آخر يبقى الأمر بين أثنين أما الخوف أو الشيء الآخر. 
وفي النص الإبداعي نحن نبحث عن الشيء الآخر الذي لم يستطع منشئ النص البوح به أو التعبير عنه، وهو ما يمكن أن يشكل نصا موازيا يفتح ذهنية المتلقي على مجالات تأويلية متعددة، و يكون قابلا للانفتاح على تلك التأويلات بما يعززها من علامات منطوقة مجاورة.
إن وجود ذلك النص الصامت داخل النص الأم لا يكتسب أهميته إلا من خلال قابليته الانفتاحية، وليس وجوده الإعتباطي، بما يعني أنه يجب أن يكون نصا محملا برؤى يصعب التعبير عنها، ولكن يمكن تصورها ذهنيا، أي أن وجودها المنطوق في النص يمكن أن يخل بانسيابية النص أو صورته الجمالية أو دلالته الرمزية، ويمكن لذلك أن يندرج تحت محتوى العبارة الشهيرة للنفري:” كلما اتسعت الرؤية [الرؤيا] ضاقت العبارة” إن ذلك الفراغ الذي نتحدث عنه رغم أنه ليس الذي يتحدث عنه الفنان الإيطالي (سلفاتوري غاروا)، ولكنه لا يبتعد عنه كثيرا، بل ربما يقترب منه من حيث الانفتاح الذهني والذي يشير إليه بقوله وهو يشير إلى تمثال وهمي : “أنت لا تراه ولكنه موجود... هو عمل يطالبك بتفعيل قوة الخيال القوة التي يمتلكها أي شخص حتى أولئك الذين يعتقدون أنهم لا يمتلكونها.” 
هل ما نقوله هنا من فكرة ملء الفراغ هو ما تعنيه (مدرسة الفن المفاهيمي) أو ما تراه فلسفة (إيمانويل كانط) أو ما تمثله لوحة الفراغ للفنانة التشكيلية (لانا نيستروم)‏؟
أقول: ربما من ناحية تفعيل قوة الخيال بما يمكن أن يسببه النص الصامت من عصف ذهني، وهو ما يجعل من المتلقي مشاركا في عملية انتاج النص، رغم أن نصه المتخيل أو المتأول ينحصر به.
إن قولنا أن المتلقي مشارك في عملية إنتاج النص من خلال تأثيثه للفراغات النصية ليس بفرضية أن اجتراحه لذلك التأثيث هو فعل مستقل أو غير ذي صلة بحيثيات النص الأم، وإنما لابد من استغلال الخيوط المتدلية من الأطراف المحيطة بالنص الفارغ، ومن ثَمَّ اقتراح تلك الصورة المثالية - وفقا لمنظوره - والتي يمكن أن تملأ ذلك الفراغ.
إن تقنية الفراغات أو المحذوفات استخدمت من قبل العديد من المبدعين شعراء وتشكيليين، وهي ليست بالفعل السهل أو الاعتباطي أو العفوي وإنما تتطلب قدرة ودراية وتخطيط ومعرفة وإحاطة في جعل ذلك الفراغ النصي فاعلا وقابلا للقراءة، ولكنها لا تخلو من الخطورة، إذ أن الإفراط  في استخدام هذه التقنية سيؤدي إلى قتل النص بكامله بدلا من تعزيز حيويته وقوة نبضه وقيمته الجمالية.  
 


تابعنا على
تصميم وتطوير