رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
القصيدة المعيار: نحو مقياسٍ جديدٍ للشاعرية


المشاهدات 1217
تاريخ الإضافة 2022/09/21 - 8:17 PM
آخر تحديث 2024/03/25 - 2:03 AM

د.صباح التميمي
إذا تصالحنا على أنّ المعيارَ  هو  الأنموذجُ والمبدأُ والقاعدةُ، فإنّنا نريدُ بـ(القصيدة المعيار) تلك القصيدة التي تصلُحُ أنْ تكونَ قاعدةً ومثالاً وأنموذجاً تُقاس عليه قصائدُ عصرِها، فإذا كانَ الناقدُ يستعين بالمعيار الفنّي (الذي هو مجموعةُ مواضعات فنيّة أقرّها العقلُ الجمعيُّ النقديُّ على مرّ العصور)، فإنّ له أن يستعينَ بهذا المعيار الجديد العام، وهو معيارٌ يساعدُ الناقدَ على الفرزِ والتصنيفِ والتجييلِ والكشفِ عن (المدرسة) و(التّلمذة)، وينشطُ في كلِّ عصر على حِدة، بمعنى آخر إننا لا يمكنُ أن نجعلَ من قصيدةٍ للمتنبي معياراً لقياس شاعريةِ السيّاب فبينهما تنافرٌ زمنيٌّ، بل يمكنُ أن نتّخذَها مقياساً لقياس شاعرية المعرّي مثلا، لما بين الاثنين من توافق زمني تاريخي، وهكذا أيضا، لا يسمحُ لنا الالتزامُ بهذا المعيار، أن نجعلَ من قصيدةٍ للجواهري معياراً لقياس شاعريةِ شاعرٍ معاصر يكتب القصيدة العمودية اليوم، وهنا يُمكن لنا أن نشترط (المُجَايَلَة) أو (التلمذة) لصحّة نتائج هذا المعيار، وبهذا يكون لكل جيل - فنيّا - قصيدة أو قصائد، تمثّل أنموذجاً شعرياً لقياس نسبةِ شاعرية شعراء تلك الحقبة، ولابُدّ من الإشارة إلى أن اصطفاءَ قصيدةٍ ما؛ لتكونَ معياراً يخضعُ لاشتراطات منها : 1-الاجماع عليها ،وعناية النقد الخاصة بها .
٢-اجتيازها لمعايير  عصرها، ولمعايير العصور التي أنتجت تجارب عالية .
٣- عمومية تجربتها وعالميتها.
٤- اتساع زمانيتها ومكانيتها.
٥- عبورها للحظة الزمنية الراهنة.
٦- صلاحيتها للتعميم.
٧- اجتيازها للضيق الآيدلوجي.
٨- انفلاتها من قيد التغريض .
٩- خصوصيّة أسلوبها، وخلوها من فُتات التجارب السابقة، وبقاياها الميّتة .
ولا نريدُ بتسمية (القصيدة المعيار) حصرَ الفكرةِ بقصيدة يتيمةٍ للشاعر، بل يمكنُ أن تكونَ (تجربتُه) عامةً، معياراً للقياس، أو قد تمثّلها قصيدةٌ واحدةٌ له، تشكّلُ أوجَ نُضجِ شاعريتِه باجماع المعنيين، كأن تكونَ قد أخذت حظّا واسعاً من الشهرة نقديّاً، أو على مستوى التلقّي العام، ولعلّ المثال الذي يمكنُ أن ينطبقَ عليه مبدأ (القصيدة المعيار) في حقبتِنا هذه قصيدة (ما لم يقله الرسّام) لعارف الساعدي، فهي قصيدةٌ كُتبت بوعي، ونُضج، اشتملت على تحوّلاتٍ جوهرية في هذا القالبِ الشعريِّ المتّهمِ بالسكون والجمود، ومن أهمها (حداثة الرؤية) التي قامت على مبدأ اتصال الشكلي بالرؤيوي اتصالا متفاعلا تعالقيا، لا على مبدأ الانفصال الذي شاعَ في معظم نماذج العصور المتأخّرة على سبيل التمثيل ،  والذي وصلت فيه بعضُ النماذج إلى مرحلة مَرَضِيّة صعبة المعالجة، بحيث أن الموضوعاتِ المتشابهةَ باتت تسبحُ في هياكلَ لقصائد ميّتة، مع ركودٍ عام في مياه الشعرية، وهذا ما قد بدأت بوادرُه - أو ما يقترب منها - تظهرُ في مشهدِنا الشعريِّ المعاصر، ومع أنه فايروس فنّي قاتل، ينتشرُ بسرعة، إلا أنّ حداثة كثير من التجارب، وانفلاتها من القالب المضموني، والجاهز المعنوي، والمكرّر الدلالي - على الرغم من بنيتها الشكلية الكلاسيكية - هي التي تمنح القصيدة العمودية المعاصرة أوكسجينا جديدا، يفك الاختناقات الحاصلة في جسدها على مستوى المعنى والرؤى والتناظر الشكلي.
وقد يقفز سؤال هنا: كيف لشاعر معاصر ما زال مسجوناً بشكل أجداده، مُتّهَماً بذوبان ذاته الآنية، في آخر الماضي، أن يكتبَ نفسَه من جديد، ويكسرَ قيودَ ذلك الماضي؟ 
في الحقيقة، إنّ الاجابة عن هذا السؤال الخطير، الذي يتبادر لذهن القارئ لحظة تلقيه الشكل العمودي، تكمنُ في روح هذا الشكل نفسه، في تجديد حركة الأصوات في داخله، في محو كلِّ ما علقَ فيه من ماضي تجارب القصيدة العمودية، كالتغريض والمناسباتية وذوبان الأنا الشاعرة في نسق الآخر الممدوح، والتمرّد على القالب الآيدلوجي، وتفجير عيون العالمية في أرض القصيدة، فإذا رأيتَ قصيدة ما، نجحت في اجتياز ذلك، فاعلم بأنّها تنتمي لما أسميناه بـ(القصيدة المعيار)، ولا تتردّد - بعد ذلك - في أن تنظرَ لقصائد عصرك بوحي منها .
 


تابعنا على
تصميم وتطوير