جريدة الزوراء العراقية

الخصائص الفنية للواقعية السحرية


د. سمير عبد الستار الجبوري
الواقعية السحرية أو العجائبية تقنية أدبية ظهرت في كثير من الأعمال الروائية والقصصية في الأدب الألماني منذ مطلع الخمسينيات، و أدب أمريكا اللاتينية بعد ذلك، ثم وجدت طريقها إلى بعض الأعمال في آداب اللغات الأخرى.
وأشهر من كتب عنها من الكتاب، خورخي لويس بورخيس وغابرييل غارثيا ماركيث، وتقوم هذه الواقعية على أساس مزج عناصر متقابلة في سياق العمل الأدبي، على أن تكون متعارضة مع قوانين الواقع التجريبي فتختلط الأوهام والمحاولات و التصورات الغريبة بسياق السرد، الذي يظل محتفظا بنبرة حيادية موضوعية كتلك التي تميز التقرير الواقعي.
تهدف الواقعية الرائعة أو السحرية بشكل عام إلى التقاط واقع راسخ من خلال الرسم اليومي لسكان أمريكا اللاتينية أو منطقة البحر الكاريبي للكشف عن كل جوهره الرائع ، الذي يمتد أحيانًا إلى مرتبة الأسطورة. إنهم يقدمون رؤية للواقع متجددة ومتضخمة بحصة الغرابة أو اللاعقلانية أو الغرابة أو الغموض التي يخفيها الوجود والروح البشرية. الفكرة هي أن الخيال هو جزء من الواقع وأنه يجب إلغاء الحدود بينهما. يتم التغلب على الفكرة التقليدية “للواقعية” من خلال تدخل الخوارق أو الخارق في العمل دون أن يتم التشكيك في وضعها من قبل المؤامرة والشخصيات. إن التعويذات ، والسحر ، والنوبات ، والمعجزات ، والأحداث التي لا يفهمها القارئ أو التواصل مع كائنات أعلى (الآلهة ، والأرواح ، وما إلى ذلك) غني عن القول. تتعارض هذه العملية مع الأدب الخيالي ، الذي يتميز بالتدخل المثير للمشاكل والغموض للواقع. وبالمثل ، يبتعد عن التجاوز الواضح للواقع كما تمارسه السريالية ويتحرك بعيدًا عن الأدب الرائع ، مثل الخيال ، حيث السحر هو جزء من عالم بعيد ، بعيدًا عن كل الاحتمالات.
ينبع المنظور النقدي للواقعية السحرية كصراع بين الواقع والشذوذ من تفكك القارئ الغربي مع الأساطير ، وهو أصل للواقعية السحرية يمكن فهمه بسهولة أكبر من قبل الثقافات غير الغربية. الارتباك الغربي فيما يتعلق بالواقعية السحرية يرجع إلى “مفهوم الواقع” الذي تم إنشاؤه في نص واقعي سحري: بدلاً من تفسير الواقع باستخدام القوانين الطبيعية أو الفيزيائية ، كما هو الحال في النصوص الغربية النموذجية ، تخلق النصوص الواقعية السحرية حقيقة “حيث العلاقة بين الحوادث والشخصيات والإعدادات لا يمكن أن تستند إلى أو تبرر من خلال وضعها داخل العالم المادي أو قبولها الطبيعي بالعقلية البرجوازية “.
مقال المؤلف الغواتيمالي وليام سبيندلر ، “الواقعية السحرية: تصنيف” ، يشير إلى أن هناك ثلاثة أنواع من الواقعية السحرية ، والتي لا تتوافق بأي حال من الأحوال: الواقعية السحرية “الميتافيزيقية” الأوروبية ، مع إحساسها بالغربة والغموض ، يتجسد في رواية كافكا. الواقعية السحرية “الوجودية” ، التي تتميز “بواقعية” في ربط الأحداث “التي لا يمكن تفسيرها” ؛ و الواقعية السحرية “الأنثروبولوجية” ، حيث يتم تعيين رؤية العالم الأصلية جنبًا إلى جنب مع النظرة الغربية العقلانية للعالم. تم انتقاد تصنيف سبيندلر للواقعية السحرية على أنه “فعل من فئات التصنيف الذي يسعى إلى تعريف الواقعية السحرية كمشروع محدد ثقافيًا ، من خلال تحديد قرائه تلك المجتمعات (غير الحديثة) حيث تستمر الأسطورة والسحر وحيث يمكن توقع الواقعية السحرية. هناك اعتراضات على هذا التحليل. قد لا تصف نماذج العقلانية الغربية في الواقع أنماط التفكير الغربية ومن الممكن تصور حالات يكون فيها كلا النظامين المعرفيين ممكنًا في وقت واحد.
أهم كتاب الواقعية السحرية :
•    (( خورخي لويس بورخيس )) 
يعتبر بورخيس هو الكاتب الأول الذي يجب أن تقرأ له لتتمكن من أن تسبر أغوار الواقعية السحرية ، وبالرغم من أن أعماله تنوعت فيما بين كتابة المقالات والدراسات والقصص القصيرة والشعر، إلا أنه ركز تركيزًا كاملاً على أدب الواقعية العجائبية، وقد ظهرت بشكل واضح في قصصه القصيرة، حيث يمكننا اعتبار مجموعته القصصية “الألف” هي النموذج الأفضل للمتاهات الموجودة في هذا النوع من الأدب، نجد في تلك القصص قدرة بورخيس على إقحام القارئ في تلك العوالم الساحرة، ونلاحظ وجود بعض الرموز والصور الدالة على الكثير من المعاني، فكلمة الألف هي من معاني علم الكابالا وهو علم تفسير الكتاب المقدس على نحو فلسفي بالاعتماد على أعداد الحروف، ويمكننا مقابلة الكلمة بكلمة اللوجوس الموجودة في اللاهوت المسيحي، والتي تدل على نقطة ابتداء العالم، وفي إحدى قصص بورخيس نجده يختلق عالمًا خياليًا كاملاً، وفي نفس الوقت هو عالم واقعي، حيث يشير بورخيس إلى مدينة غير حقيقية لكنه يذكر تفاصيلها بالضبط، ويحاول أن ينقل إلى القارئ فكرة أن هذه المدينة موجودة، وأنه استمد المعلومات من نسخة من دائرة المعارف الأمريكية والتي لم تطبع إلا عدة طبعات. 
•    (( جابرييل جارثيا ماركيز ))
 هو كاتب كولومبي، ويمكننا القول بأنه لولا ماركيز لما وصل أدب الواقعية السحرية إلى مرحلة العالمية، وبالإضافة إلى إسهامات ماركيز في الأدب، فقد كان ناشطًا سياسيًا ومدافعًا عن حقوق الإنسان في الكثير من المواقف الصعبة، وقد شارك كذلك في تحرير العديد من الصحف، ويتميز أسلوب ماركيز بكثرة التفاصيل التي تأخذ القارئ إلى عوالم خيالية في نفس الوقت الذي يحاول إيهام القارئ بأنه يتحدث عن الواقع، ويعتبر عمله الأشهر هو رواية مئة عام من العزلة، التي أصبحت أكثر أعمال هذا النوع الأدبي شهرة، وقد حصل ماركيز على جائزة نوبل في عام 1982.
•    (( ميجل أنخل أستورياس ))
 هو شاعر وكاتب جواتيمالي حاز على جائزة نوبل في الآداب في عام 1967، وبالرغم من أن المواضيع العامة في كتاباته كانت تتعلق بكشف الفساد السياسي، خاصةً فيما يتعلق بدكتاتورية حكام دول أمريكا اللاتينية، إلا أنه تعرض في بعض قصصه إلى الكثير من القصص التي ترتبط بعوالم الواقعية العجائبية، وأصبح يعتبر من أهم أدباء هذا النوع، وتعتبر رواية السيد الرئيس من أشهر أعماله، وتدور الرواية حول الاستبداد السياسي الذي يمارسه الدكتاتور مع بعض الاندماج مع العوالم العجائبية. إيزابيل الليندي هي كاتبة تشيلية، وبالرغم من أن كتاباتها تدور بشكل أساسي حول اكتشاف الأحاسيس والمشاعر الداخلية للأنثى وعلاقة المرأة بالمجتمع من حولها، إلا أنها تحاول الدخول في عوالم الواقعية السحرية في الكثير من أعمالها، خاصةً في قصصها القصيرة، وتمتلك الكاتبة أسلوبًا مميزًا للغاية جعلها تصنف من أعظم الكتاب في القرن العشرين، وقد دخلت العالمية من أوسع أبوابها من خلال تعرضها لقضايا المرأة وذلك عبر التداخل ما بين العوالم الواقعية والعوالم العجائبية.


المشاهدات 1725
تاريخ الإضافة 2022/06/28 - 9:05 PM
آخر تحديث 2025/04/18 - 9:05 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com