جريدة الزوراء العراقية

قراءة نفسية وسيكولوجية لرواية «سجينة بين قضبان الزمن»


المغرب / سفيان حكوم :
( قراءة سيكولوجية في رواية “ سجينة بين قضبان الزمن “ للروائية الاعلامية زينة جرادي).
تأخذنا القراءة السيكولوجية بمفاصل رواية (سجينة بين قضبان الزمن) للروائية الدكتورة زينة جرادي الى مواطن الكيان البشري ، وما فيه من عقد وخيوط متشابكة نفسيا ، فتظهر لنا الانعكاسات التي تسيطر على ازقة الحياة الشرقية ، وتأثيراتها على سلوكياتنا، حيث تؤدي بنا الى مطافات خطيرة غير حميدة.. عمدت الكاتبة على تشريح ابطال روايتها بموضع التحاليل النفسية ، لفرض الواقعية على روحانية روايتها وملامسة احاسيس القارىء ، بلا مواربة او تكلف، كما عمدت الى تعرية الابطال من  القناع الاجتماعي، مركزة على تفصيل انفعالاتهم النفسية، ايذاء احداث صاغتها ملائمة، لكشف الحالات النفسية عندهم ، فكان نمط يراعها صادقا، وصادقا باظهار وكشف النقاب عن الكثير من المشاكل النفسية ، ابرزها :  الامومة المتألمة / الزواج المبكر/ الهيمنة الذكورية / التعنيف الزوجي/ الحب المحرم وغيرها ، فكل هذه العوامل انكشفت وفق نسيج متماسك للاحداث ، وبلاغة راقية وتحليل سيكولوجي علمي للرواية .
الزواج المبكر :
(الهام) بطلة الرواية تزوجت بالاكراه في السادسة عشر من عمرها ، بأول عريس دق الباب ، لأنه كان مغتربا في افريقيا وميسور الحال، ثم هاجرت معه الى بلاد غريبة عنها بكل ما فيها ، ومن هناك بدأت الاحداث تتشابك ، كان الزوج (عدنان ) متسلطا وقاسيا بلا رحمة ، مما خلق اشكالات من اليوم الاول للزواج ، فمارس التعنيف على زوجته بطريقة وحشية، الامر الذي خلق عندها حالة من الرعب او الهلع.. جسدت الكاتبة بنمطية (ثقافتها السيكولوجية) ، الحالة التي اصابت بطلة روايتها ، فكانت مكتئبة جدا مما جعلها تمر بحالة لانكار الذات ، وبالتالي تصاب بحالات من الخوف والارتباك، لكنها صمدت امام مواجهة واقعها ولم تفكر بالانسحاب ، كما يحصل عموما في حالات التعنيف ، ربما لان الهام في الرواية كانت امرأة متسامحة بينها وبين نفسها. أما الزوج عدنان فكان متأثرا بنمطية التربية الشرقية التي تعطي الذكر صلاحيات واسعة، كما كان يعاني من اضطراب في تحديد هويته الجنسية ، خصوصا انه كان يقيم علاقة عاطفية مع الافريقية روز.
رحلة العذاب نفسيا 
بدأت الهام رحلة العذاب في البيت الزوجي ، ثم حرمانها من طفلها (كمال) فعملت خادمة في البيوت ، من بيت الست ريم الى بيت هند ، الا ان زوجها (ناصر ) حاول التحرش بها والاعتداء عليها ، وعندما صدته اتهمها بالسرقة فكان الشارع مصيرها ، حتى التقت بلال الذي جاء بها لرعاية والدته العجوز الحجة ام بلال، هنا شعرت بالامان لان العجوز اغدقت عليها الحنية وعاملتها برقة وساعدتها، فجاءت لها بمحام ليفاوض الزوج بقضيتها ونجحت مفاوضاته، بعد ان ساوم الاب على مبلغ من المال للتنازل عن حضانة ابنه ، وقررت العودة الى بيروت لتجد والدتها متوفاة، وهي مسؤولة عن طفل لوحدها ، فطلبت المساعدة من رنا بنت ام بلال ، حيث لبت الاخيرة الطلب بتوظيفها لتعيل نفسها وابنها ، إلا ان العوامل النفسية المتراكمة داخلها اثرت عليها بكوابيس مدمرة ، لحين تدخل القدر بوصول ابن عمتها نبيل ووعدها بحياة جديدة .
هذا الملخص السريع يجسد الابعاد النفسية المتشنجة التي حبكتها الكاتبة بعناية وحرص شديدين ،  لتكون الصورة واضحة عند الكاتب، بلا مساحيق تخفي جمالياتها .
الامراض التي شددت عليها الكاتب، بالحقيقة هي ليست امراضا بقدر ما هي آفات نفسية ، نعانيها في تركيبة حياتنا الشرقية، وبعضها من الموروثات الاجتماعية التراثية ، التي لا نستطيع الخروج منها وتنعكس على سلوكياتنا وشخصياتنا ، ومنها مثلا: الزواج المبكر ، وهنا كانت البطلة الهام نموذجا ، تعاني ما ترتب عنه من انفعالات نفسية اولها :
الاستغلال الجسدي والنفسي في العلاقة الزوجية، مرورا بإقامة علاقة حميمة غير سوية ، يسيطر فيها الاكراه والغصب  ، فتكون حياة الشريكين مؤلمة ، يؤدي الزواج المبكر ايضا، لارتفاع بنسبة الجهل والأمية ، ويؤثر سلبا على النمو الجسدي والنفسي ، وهذا ما سعت اليه الكاتبة في احداث روايتها ، كما يحصل خللا في العلاقة العاطفية ، والانفعالات النفسية في الاحداث بالرواية.
ركزت الكاتبة في احداث روايتها على ان تكون طبيبة نفسية ، تدخل من باب علم السيكولوجيا الى فن الصياغة الادبية، لهذا السبب جاء اسلوبها الروائي غنيا بالصور والمشهديات المعبرة سيكولوجيا ، كما ضج حوارها بالمشاعر والانفعالات العاطفية الجياشة.. ولقد أخذتنا الكاتبة أيضا ضمن سياق احداث روايتها الى الحالات الصعبة التي تنتج بظروف روايتها، مثل: الاكتئاب الشديد ، خصوصا عندما تنجب الام القاصر مولودها الاول ، فيحصل نوعا من التغييرات في هرموناتها العاطفية والجسدية، وتشعر بانها كبرت قبل اوانها ، كما تعاني من تقلب بالمزاج والقلق والحرمان ، وفي هذه النقطة بالذات برعت الكاتبة بتجسيد الاحاسيس بأسلوبها الراقي المعبر .
كما ركزت على حالة بطلتها النفسية ، وما تعانيه من ارتباك في الاكل والنوم ، وعدم التركيز على امومتها بالشكل العلمي الصحيح ، لانهم خطفوا وحيدها منها ، وهذه النقاط السيكولوجية جسدت واقعا ميلودراميا، على الاحداث واضطرابات في العلاقة الحميمة ، ما بينها وبين زوجها، كما هزت حالتها النفسية كيانها هزا عنيفا ، لكنها لم تجعلها تتعقد من الرجل، وهنا برعت الكاتبة بمعالجة انفعالات شخصيات روايتها (سجينة بين قضبان الزمن ) ، معالجة سيكولوجية سريرية متفوقة.
 


المشاهدات 1201
تاريخ الإضافة 2022/05/18 - 8:40 PM
آخر تحديث 2024/04/20 - 1:08 AM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com