رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
طرزان العراقي في غابات مانيسا


المشاهدات 1447
تاريخ الإضافة 2022/05/15 - 8:15 PM
آخر تحديث 2024/04/22 - 5:55 PM

(عندما عبرتُ «بحر الظلمات» لأول مرة، أحسستُ بظل ذلك الفتى الذي ابتكر بساطاً يحلق في الأثير، لمَ لا، ألستُ أنا من أرض الأساطير والحكايات، ألستُ أنا من بلاد السندباد، تلك الأرض العظيمة، الأرض الساحرة التي روت للناس ألف حكاية وحكاية) ؟ .
هكذا يبدأ د. نعمان الهيمص كتابه « العابرون حكايات لا تعود .. العرب والعالم الجديد»، وقد رغبَ أن أكتبَ تمهيداً له، فأتاح لي بذلك فرصة طيبة لقراءة الكتاب ومراجعته بدقة متناهية، مع متعة فائقة في تتبع آثار وأخبار العابرين بحر الظلمات، ولا أبالغ إن قلتُ ان هذا الكتاب يُعد من أمتع ما كُتب عن الرِحلات المُدَّونة، وغير المُدَّونة، عبر بحر الظلمات « المحيط الأطلسي «، فقد بذل مؤلفه جهداً واضحاً في البحث والتنقيب والعودة إلى عدد كبير من المراجع والمصادر والصحف والمجلات ووكالات الأنباء والمدونات الورقية والإلكترونية، بصبر على البحث والكشف والمتابعة مكنه من انجاز مثل هذا الكتاب الموسوعي الذي تحكي صفحاته سطوراً أشبه بالغرائب والأساطير، عن أولئك المغامرين الذين شدوا الرحال لعبور بحر الظلمات، توقاً للوصول إلى الأرض المجهولة، حيث الحرية والانعتاق والرفاهية والثروة، والذهب والفضة، والمستقبل الزاهر، والحلم المُشتهى، أو أولئك الذين وجدوا أنفسهم في قيود الأسر والعبودية، تنقلهم السفن والمراكب العملاقة، إلى حيث لا يعلمون وجهتهم، ولا يعرفون مرساهم، ولا مصيرهم .
انه فصل قاسٍ ومثير من فصول الهجرات البشرية، إلى الأرض المجهولة الواقعة خلف المحيط الأطلسي، في حقبة حرب الاستقلال وظهور الولايات المتحدة الأميركية، وشيوع مفاهيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان التي جعلت منها أرض الأمنيات لكل مضطهد في أوروبا، أو في أرض العرب، يجاهد للوصول إليها بشتى الوسائل والحيل للخلاص من البطالة والقمع والتسلط والاستبداد والسجون والمعتقلات والملاحقة، مثلما هي حلم لكل فقير أو طموح باحث عن النجاح والعمل الحر وتكافؤ الفرص والمال الوفير.. فمنهم من نجح في العبور، ومنهم من انتهت أحلامه وحياته في أعماق بحر الظلمات، ومن هؤلاء أيضاً من رجع على أعقابه نادماً أو مجبراً أو خاسراً .
هؤلاء العابرون، كتبوا بالجرأة وروح المغامرة والتحدي والاقدام، والشجاعة والعناد، أروع القصص، وأعجب الحكايات التي يرتقي البعض منها إلى مستوى الأساطير، وما هي بأساطير، لكنها وقائع حقيقية حدثت لمغامرين تركوا بصماتهم ووقع أقدامهم على أرض الأحلام، ترددها أمواج المحيط الأطلسي، واعماقه المظلمة. وقد التقط المؤلف جواهر تلك المغامرات عبر التاريخ، ليعرضها في صفحات كتابه التي افتتحها بحقائق وفرضيات حول أسبقية العرب في الوصول إلى العالم الجديد قبل كريستوف كولمبس بمئات السنين، أيام القبائل العربية الثمودية، ثم ينتقل إلى تاريخ لاحق من خلال حكايات غاية في الإثارة، ترتبط بشخصيات مغامرة، أمثال بيزارو ناقل الثقافة الأندلسية، والموصلي الرحالة والكاهن والطبيب، وحادي الإبل البدوي الحاج علي الذي ما زال تمثاله شاخصاً في ولاية أريزونا، أو ترتبط بوصول سفن عربية مثل السلطانة التي قامت بأول رحلة بحرية في العصر الحديث من سلطنة عُمان إلى نيويورك .
 ونقرأ في الكتاب حكايات لا تخطر على بال، ومغامرات لأشخاص تعرضوا لأقدار غريبة، أمثال الفتى الجزائري سليم وقَدَره مع القراصنة، وبن سعيد الذي ولد حراً وبيع عبداً، وخليل إبراهيم الرواف التميمي صاحب الرحلة العجيبة من دجلة إلى هوليوود الذي عاش قصة حب في بغداد مع سائحة أميركية نقلته إلى مصير آخر، وطرزان غابات مدينة مانيسا غرب تركيا، وهو الجندي العراقي احمد بداوي المولود في سامراء والمحارب في الحرب العالمية الأولى الذي ظهر في فيلم طرزان مانيسا منتصف الثلاثينيات، وتوفي في العام 1963 وأقيم له تمثال في المدينة التي تحيي ذكرى وفاته في كل عام. 
يعرف الصديق نعمان الهيمص أن حكايات مثل الرواف وبداوي وغيرهما من العابرين، لن تعود أبداً، لكنه يحرص على أن يؤسس لحكايته الخاصة كواحد من أواخر العابرين بحر الظلمات، وأحد الحالمين بالعودة يوماً إلى أوطانهم، مثل عودة السندباد في حكايات ألف ليلة وليلة .
 


تابعنا على
تصميم وتطوير