رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
السرد الجميل في مجموعة ”مرايا متشظية”.. قراءة في قصص كريم جبار الناصري


المشاهدات 1200
تاريخ الإضافة 2022/05/14 - 8:08 PM
آخر تحديث 2024/04/13 - 3:23 AM

زيد الشهيد
في سعيه الحثيث لتقديم قصصِه كمادةٍ سردية تستحق الاعجاب يتوخّى القاص كريم جبار الناصري إلى أن يجعل متلقيه يتعامل مع نصوصه بحفاوة وهو يتنقل من نص لآخر لإدراكه أنَّ النص المنشور ما هو الّا رسالة بين مرسل افشاها الى العلن فخرجت عن ملكيته ومستلم سيتلقاها لتكون ملكاً له توخى المرسل استقبالها بإعجاب أو على الأقل برضا. 
وعنوان “مرايا متشظية” كمجموعة جاءت بهيئة قصص قصيرة جداً بين دفتي كتاب احتوى 77 صفحة من الحجم المتوسط جاء مرادفاً موضوعياً لأبطال نكتشفهم، ونحن ننتقل من بطل لآخر، منكسرين؛ بدواخل كالمرايا المهشمة.. إنَّهم يسعون للبوح لا لشيء إلا ليلفظوا جبال الرؤى المحتشدة في رؤوسهم، ويحرروا ارواحهم من هموم اللغة التي تتكشف في بوتقة كلِّ نص على صغر حجمه ووحدة موضوعه.
ففي نص “خلاص”  يتماهى الكاتب بأنسجة اللغة وتشابكاتها ويتوارى خلف رؤى تدنو من ميدان الفلسفة واستخدام الفكر، حتى ليظنها المتلقي صورة لرؤية يريد بثّها في مساراته، فيجعله يتساءل: أفيلسوف هذا الكاتب أم شاعر يتمنطق بغموض مقصود ليقدم لنا سرداً يبني وجوده على آلية قصة لها استهلالها ومقدمتها ونهايتها بنقطة تنوير تقود الى خاتمة يتحرك خلالها البطل المهموم بالرؤى؟!
وإنْ طرقَ المتلقي باب نص” النظرة الأخيرة” فسيتفاعل مع الفنان التشكيلي الذي يتجلى مجده وحفاوته بنفسه بلوحات هي نصوص حياته التشكيلية وكبرياؤه الموزع على الالوان في تشكيلة تتماوج بين الالفة والتشظي تحمل زاوية كل منها عنواناً لنافذة من نوافذ حياته؛ هو الذي يتعكَّز الآن على ساقٍ ثالثة بعدما بلغ الثمانين وهو يبكي لمشاهدة هاته “النصوص”، “اللوحات”،” الأعوام” وقد تمزقت، وتهشمت، وتفتتت أُطرُها في مذبحة سرقة بغداد من قبل مَنْ لا يُقدِّر ثمنَ الارث، ولا يحتفي بتأريخ الآباء والأجداد.  
ويتبدّى الانكسار والتهشّم حتى في الحلم الذي يلتجىء اليه البطل في نص “ كُن حرّاً” ليهرب من الواقع الرمادي فإذا به  يقع في هوّة الخوف والرعب والتطيّر؛ اذ يرى نفسه في النوم وقد غدا حاكماً لابد ان يستمتع كما الحكام في الحكايات التي احتوت أجواء الف ليلة وليلة حيث شهرزاد يستمتع بالغلمان والقيان  إلا انه ينصت في أوان يحدث له بأصوات ظنّها خارج قصره العامر فاذا بها داخله. أصواتٌ لجموع اقتحمت وجوده جراء جوعِها وحرمانها هو الذي أحكمَ بقبضة من حديد على حياتهم فجوَّعهم واذلَّهم ولم يضع في حسبانه أنْ سيأتي اليوم الذي سيكسرون فيه قيدَ الخوف ويندفعوا ثائرين على جبروته وقسوته ولامبالاته تجاههم فيحاول التنصّل والهرب من القصر فلا تنفعه جنود شطرنج اعتمد عليهم كحراس(( هربت حاشيتي، دخلت الحشود افواجاً شكلوا دائرة. أصبحتُ بوسطها كقردٍ يمارس رقصاته البهلوانية، اصم اذني من صراخهم وضحكاتهم. اغمض عيني من ايماء اصابعهم نحوي. أخرَّسَ لساني عن الكلام.. هوى أحدهم بفأسه على رأسي، تملَّكني الرعب لأنَّ يدي التي حميت بها رأسي من هول الضربة خضَّبها سائلٌ.. فزعت؛ لعنت ايام ولادتي ، فسلمت امري إلى نهايتي المعهودة.)).
هكذا هم أغلب ابطال” مرايا متشظية” قدَّمهم القاص كريم جبار يعيشون التعثُّر في الحياة. فلا أمل يستندون عليه، ولا بارقة تنم عن نور في نهاية النفق يتقدمون اليه ليخرجهم الى سهوب التفاؤل. إنَّه الاستلاب والشعور بالضنك الذي يساورهم.. ومع ذلك لم يرتكن لليأس، ولا استكان للعَتَم فقد احتوى اكثر من نص بارقة للتفاؤل كما نص” كُلٌّ يزرع ورداً”؛ فقد (( ازدانت الأمكنة رونقاً وبهاءً.. يشعر بإحساس غريب.. تنبّه، استيقظ. وجد يداً حانية تمسد شعره؛ فابتسم وقال: كُلٌّ يزرع ورداً|)). 


تابعنا على
تصميم وتطوير