رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
اللغة الشعرية بين السرد والمسرح في رواية “وضاعت دانا “ للأديبة فاطمة منصور


المشاهدات 1263
تاريخ الإضافة 2022/05/11 - 7:44 PM
آخر تحديث 2024/04/13 - 10:24 AM

عبد الستار نورعلي
في المسيرة الفنية الأدبية للشاعرة فاطمة منصور اشتغلت بجدٍّ ومثابرة، ومواصلة حثيثة على ترسيخ حضورها في عالم الشعر العربيّ، فنحتت لها مكانةً بارزةً في سجل الأسماء الشعرية، حتى وصل منتجها الشعري الى العالم، من خلال الترجمة الى لغات عديدة غير العربية، ومازال. لم تكن موهبتها الفنية لتقفَ عند جنس أدبيّ واحد، وهو الشعر، إنّما عملت على زرع بذورها الإبداعية في حقل أجناس أدبية أخرى، بما تمتلك من طاقة مخزونة تتعدى حدود الألوان الفنية. لذا مارست النقد الأدبي، وولجت عالم القصة والرواية، بحِرفية الأديبة المقتدرة، وبما تمتلك من تاريخ إبداعي وثقافي، أتاح لها أن تعتلي شجرة الكلام الجميل شعراً وقصّاً ونقداً. ومن أحد شواهد هذه الألوان الشاخصة روايتها هذه (وضاعت دانا). 
اتخذت أديبتنا مضمون وأحداث الرواية من تأثيرات العالم الإفتراضي (مواقع التواصل الإجتماعي) على المجتمعات والأفراد، وما يخلقه ويؤدي اليه من علاقات، بسبب سرعة الإتصالات وسهولة التواصل، واختزال الزمن، رغم بعد المسافات، واختلاف التقاليد والثقافات، والأفكار والتوجهات، والأمزجة والخصائص الفردية. فعملت من خلالها لبيان جزء يسير من هذه العلاقات، ونتائجها السيكولوجية.
اشتغلت شاعرتنا فاطمة منصور في هذه الرواية على توظيف أجناس أدبية عدة  ـ مما أشرنا اليها ـ وذلك في تصميمها، وتناسق هذا التصميم، ولحمته وسُداه: ما بين السرد، والمسرح (الحوار)، والشعر من خلال الأسلوب لغةً شعريةً في ثنايا السرد، حيث اختيار التعابير والجمل المكتنزة شعرياً لفظاً وخيالاً وصورةً؛ وهذا متأتٍ من تأثيرات الموهبة والتجربة الشعريتين للروائية ـ الشاعرة أولاً ـ ومنها على سبيل المثال لا الحصر:
“ فأصرّ عليكِ أنْ تنفضي عنكِ غبار العواصف المؤلمة، لتستقلي وإياه مراكب الفرح والحبّ”
وكذلك:
“فيخيل اليك أنّ سلاماً يتهادى على صفحة المدى مندّى بنزف قلب يتشوق ليذوق طعم الحبّ في رغيف من سلام”
والشعرية هذه تبرز بوضوح في الحواريات بين بطلي الرواية، وفي الرسائل النصية المتبادلة بينهما، في التعبير عن مشاعرهما الملتهبة، بحيث بدت وكأنها نصوص شعرية عاطفية غنائية عالية النبرة الحسيّة، بخيال جامح خلّاق.
لقد اعتمدت فاطمة منصور في الحكاية على: تداخل سردها هي كراوية، وسرد البطلين عن طريق المونولوج الداخلي، والتعبير عن خزين المشاعر المضطربة والملتهبة المتأججة. وهنا علينا الإنتباه الى أنّ (وحدة) الحكاية المرويّة هنا هي المشاعر الإنسانية الذاتية المخزونة، والمضغوطة الكتمان ضمن أحداثها، وتفاعل الأحداث مع تصاعد المشاعر وضغوطاتها. وهو عنصر مهم من خصائص هذه الرواية. بمعنى أنّها في جانب من مضامينها هي تصويرٌ لتلاطم وتصادم هذه المشاعر، والشروخ التي أحدثتها في العلاقة بين البطلين، في مسارٍ متنامٍ، وارتباكٍ بين الشكِّ ومحاولة كبته في النفس، للإقتناع بما تحمله من عاطفةٍ صادقة ضمن تجربةٍ عبر التواصل الافتراضي، من غير تشتت في الأحداث، أو إطالة وتراخٍ وترهُّل، أو زيادةٍ فائضة عن الحاجة في صراعات درامية جانبية، فالصراع المركزيّ فيها هو صراعُ المشاعر والأحاسيس، وتلاطمها واصطدامها، وصخبها وعنفوانها أحياناً. المشاعر هذه تتنامى مع تقدّم الرواية لتصلَ الى قمة أزمتها الحادّة (الوسط) بعد (البداية) وكيف ابتدأت الحكاية والعلاقة الإفتراضية الناتجة عن العالم الإفتراضي، والتي تطوّرت الى علاقة حميمية حقيقية. 
أما توظيف الحوار (المسرح) فهو جليٌّ في طغيانه عليها، سواء من خلال الحوار المباشر بين الشخصيات، أو من خلال المونولوج الداخلي.
هذا التداخل بين أجناس فنية عديدة، إضافةً الى توظيف عنصر الإثارة والتشويق والشدّ، هو ما يجعل المتلقي ينجذب الى الحكاية، وينشدّ اليها، لحدّ أن يواصل القراءة ليصل الى نهايتها. وهو توظيف ناجح إذا استُخدِمَ بحرفيةٍ فنيّة ومهارةٍ حاذقة، وهذا ما نلمسه في (وضاعت دانا). وليس هذا بغريب عن التي أنتجتها، وهي الشاعرة والناقدة والقاصّة والروائية.
 


تابعنا على
تصميم وتطوير