جريدة الزوراء العراقية

الجريمة والعقاب


يا سادة يا كرام، ويا دعاة الحب والسلام، ادعوكم الى نزهة قصيرة بعيدا عن عالم السياسة الذي دخلنا اليها كثيرا ، وتعالوا معي لنطرق باب الادب لعل فيه نافذة تمنحنا نسمة من الهواء تزيح عن نفوسنا ما خلفته السياسة من احباط وخيبة وانكسار .
هل تعرفون ايها السادة الكرام ديستوفسكي؟ من لا يعرفه فلا أجد ضرورة لمعرفته فلسنا بصدد التعريف به ، لقد كتب هذا الكاتب رواية اطلق عليها ( الجريمة والعقاب ) وأكرر دعوتي للتعرف على ما جاء في روايته ، ديستوفسكي كتب روايته وجعل بطلها المدعو راسكولينكوف يقتل عجوز مرابية ، حيزبون تمتلك ثروة كبيرة ، وهي جريمة خرجت من خيال الروائي ولا تختلف عن الجرائم التي تحدث كل يوم على ارض الواقع .
راسكو لينكوف قتل المرأة بفأس ، فهو لا يعرف ما وصل اليه العالم من فنون القتل والموت والتعذيب والاضطهاد ، ورغم الطريقة البدائية التي نفذ فيها جريمته إلا انها ايقظت الكامن في نفسه ، وانتصب الضمير يجلد بسوطه كل خلية غافيه فيه ، الجريمة التي ارتكبها كانت حافزا لخلق الاعصار في داخله ، وبدأ الضمير يتحرك بقوة في نفسه ، والقلق يقتلع جذور الاطمئنان ، ومن اجل ان يضع حدا لما يعانيه ذهب بمحض ارادته وتلبية لنداء الضمير ليدخل المحكمة ويعترف امام القضاة بارتكاب ما فعله، وعند صدور الحكم عليه يكون راسكو لينكوف قد تصالح مع رأسه المضطرب وانتصر الى نداء ضميره ، واستقبل قرار الحكم بحالة من الرضا التي انتشلته من دوامة العذاب الذي كان يتجرع مرارتها.
رواية الجريمة والعقاب، نالت شهرة واسعة وترجمت الى عدة لغات، وأصبحت من كلاسيكيات الادب العالمي، الصراع الوارد في الرواية بين ارتكاب جريمة نتيجة الفقر والعوز وبين العقاب النفسي لمرتكب الجريمة وضعنا أمام اسئلة كبيرة : كم من جرائم القتل التي اقترفت بحق ناس ابرياء تحت ذرائع تافهة دون ان يتحرك الضمير ؟ وكم من الجرائم حصلت عبر تاريخنا المعاصر حتى وصلت الى درجة الابادة الجماعية دون ان نسمع صرخة احتجاج؟ وكم من صور القتل والاغتصاب والانتهاك والظلم مورست ضد الفقراء والمساكين دون ان يفتح باب من ابواب القضاء ؟ لم يكن في عصر ديستوفسكي كل هذه العناوين الكبيرة المتعلقة بحقوق الانسان وهيئات النزاهة ومنظمات المجتمع المدني، والدفاع عن حقوق المرأة ورعاية الطفولة وغيرها من المنظمات التي تعلق منشوراتها على ابواب الملاهي والحانات الرخيصة.. ما يسعدنا حقا، ونحن في ختام نزهتنا اننا بعيدون عن كل مظاهر الفساد والقتل والنهب الذي يشهده العالم ، نحمد الله على هذه النعمة الكبيرة ، وآخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .
إلى اللقاء...
 


المشاهدات 1342
تاريخ الإضافة 2022/05/11 - 7:38 PM
آخر تحديث 2024/03/28 - 6:32 AM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com