جريدة الزوراء العراقية

أيها المسؤول .. هل فكرت بغيرك؟


التفكيرُ عند الإنسانِ ينبعُ من خلفيةٍ فكريةٍ ولا يكون بمعزلٍ عنها، وعقلُ الإنسان هو المدبر الأساس لخطواته.
والتفكيرُ فريضةٌ لا يجوز للإنسان أن يتخلى عنها بأي حالٍ من الأحوال، ولو تمعنا قليلا لوجدنا أن العقل هو القدرةُ الذهنية التي يملكها الإنسانُ ويتميز به عن غيره من المخلوقاتِ الأخرى.. ومن هنا يعدُّ العقل نعمةً كبرى من نعمِ الله على الإنسان في هذا الوجود.
والاهتمامُ بالتفكير والحث عليه وردَ في نصوصٍ قرآنيةٍ كثيرة، ومن ذلك قوله تعالى: «لعلكم تتفكرون...»، وقوله: «أفلا تتفكرون»، وأكثر التعبيرات التي وردت في هذا الصدد قوله تعالى: «إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون».
ومن أجل ذلك لا يجوز للإنسانِ أن يعطل العقلَ عن أداءِ وظيفته، لأن الإنسان الذي يعطل عقله عن التفكير هو إنسانٌ قد تنازلَ عن إنسانيته، ويعبر القرآنُ الكريم عن الذين يعطلون عقولهم عن التفكيرِ ويصمون آذانهم ولا يبصرون أو لا يريدون أن يبصروا ما حولهم بقوله تعالى: (لَهُمْ قُلُوبٌ لَا يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ آذَانٌ لَا يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ).
نعم.. لذا يجبُ على الإنسانِ المسؤول الذي يتبوأ منصباً رفيعاً في أي مرفقٍ من مرافق الحياة أن يتذكرَ أنه في امتحانٍ صعبٍ، وتقع على عاتقه مسؤوليةٌ كبيرة، ولا يمكن قبول اللا مبالاة منه، وتقاعسه وتجاهله لما يحصل في البلد، وعدم تفكيره بهمومِ وظروف المواطن، لاسيما المعيشية منها، ونذكره دائما «إن الله يسمع ويرى».
أقول.. بلدنا يعيشُ في ظروفٍ استثنائيةٍ، والطامةُ الكبرى أنه من أغنى بلدان العالم، لكن لا تظهر عليه وعلى مواطنيه مظاهرُ الغنى بشكلٍ ملموسٍ، لاسيما أننا نسمعُ ونرىُ ونقرأ أن بلدنا حاليا لديه وفرةٌ ماليةٌ كافيةٌ من خلال ارتفاعِ أسعار النفط عالمياً، وبأثمانٍ غير متوقعة تجاوزت الـ100 دولارٍ للبرميلِ الواحد، وهذه الوفرةُ المالية تغني لإنعاشِ المواطنِ اقتصادياً، وتعويضه عن الحرمانِ الذي أصابهُ في السنوات الماضية.
ونشعرُ بعدمِ وجود الغنى لدى المواطن من خلال رؤيتنا للشبابِ العاطل عن العملِ وهم يملأون الشوارعَ والتقاطعات، يمتهنون بيعَ الماء والشاي والكلينكس والسجائر وكارتات الموبايل، ومسح زجاج السيارات، وغيرها من المهن المُنهكة لهم ولطموحهم.
أما إذا دخلت للتبضعِ والتسوقِ من محال الخضراوات والفواكه والأسواق فستجد على جانبيك مَن يطلب مساعدتك من النساء والأطفال، في مشهدٍ يكادُ يتكررُ يومياً، والمسؤولُ في بلدنا يغط في سباتٍ عميق، ومتنعمٌ بالثروات، ولا يبالي لما نراه يومياً ونتلمسهُ من معاناةٍ حقيقيةٍ للمواطن العراقي. 
أيها المسؤول تذكر دائماً قولَ رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم: (كلكم رَاعٍ، وكلكم مسؤول عن رَعِيَّتِهِ).
هنا استذكرت كلماتٍ رائعةً من قصيدةِ شاعر المقاومة الفلسطينية محمود درويش «فكر بغيرك».. حيث يقول:
وأنتَ تُعِدُّ فطورك.. فكِّر بغيركَ
لا تَنْسَ قوتَ الحمام
وأنتَ تخوضُ حروبكَ.. فكِّر بغيركَ
لا تنس مَنْ يطلبون السلام
وأنتَ تسدد فاتورةَ الماء.. فكِّر بغيركَ
مَنْ يرضَعُون الغمامٍ
وأنتَ تعودُ إلى البيت.. بيتكَ.. فكِّر بغيركَ
لا تنس شعب الخيامْ
وأنت تنام وتُحصي الكواكبَ.. فكِّر بغيركَ
ثمّةَ مَنْ لم يجد حيّزاً للمنام
وأنت تحرّر نفسك بالاستعارات.. فكِّر بغيركَ
مَنْ فقدوا حقَّهم في الكلام
وأنت تفكر بالآخرين البعيدين.. فكِّر بنفسك
قُلْ: ليتني شمعةُ في الظلام
وفي الختام أقول .. القيادة والمسؤولية هي فنُ التفكير السريع.. والفشلُ نوعان: نوع يأتي من التفكيرِ بدون فعل، والآخر يأتي من الفعلِ بدون تفكير.
 


المشاهدات 1324
تاريخ الإضافة 2022/05/09 - 6:36 PM
آخر تحديث 2024/04/21 - 9:08 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com