رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
جماليات المكان في مسرحيات جاسم محمد صالح


المشاهدات 1279
تاريخ الإضافة 2022/01/23 - 7:31 PM
آخر تحديث 2024/04/11 - 3:14 AM

اطلالة على مسرحية (اصدقاء الشمس)
 الدكتور محمد عمر ايوب / مدير السينما والمسرح / وزارة الشباب – بغداد
  يأخذ المكان ابعادا جديدة ومغايرة في نصوص جاسم محمد صالح بعد ان عالج هذه الفرضية الى تنظير مشبع يتساوق مع الاحداث داخل دائرة الصراعات البنائية للحكايا فهو يعالجها معالجة بكر للوصول الى الى ابجدية شاملة ونظرة اكاديمية فاحصة ورصينة، فلو تحدثنا عن مسرحية (اصدقاء الشمس) فكل مفردة من مفرداتها تحضير للمكان عبارة عن وقفة نتلمس من خلالها الطريق الخاص الذي اختطه الكاتب جاسم محمد صالح  في طرح نماذج مكانية يختلف معها احيانا ويتفق في احيان اخر , ثم يرسم لها خطا واضحا معمقا يرسم لنا بروازا ثقافيا وفكريا موسعا مستندا الى المنهجية البنيوية في دراسته للمكان وهو افتراض متحقق يسير على طريقين مادي وحسي، فالحس الاجتماعي يخترق المدونات الكتابة الفكرية والنصية ليحيل انظمة جديدة لجماليات المكان , فاعتماده التاريخ كأسلوب منهجي يعطي تلمسا حقيقيا لظلال المكان فلسفيا وفكريا لان المكان لديه يؤلف منهجا , بوصفه علامة احادية تسير مع خطوط البنية المرسومة بحرفة واتقان مكونة لظاهرة مطلقة ترسم وجودا ماديا للأشياء المؤلفة , فالشمس وتحولاتها الايقاعية الشعرية كانت تبحث عن ابعاد فكرية مؤثرة بالأشياء لتكوّن في النهاية تكوينا اجرائيا لمنهج بحثي ومعرفي ثابت , انها الحياة وازاحتها موت لكل ما يعتري هذه الارض من نماء وحيوية وديناميكية معتمدا على تأثير هذه الالية في بناء اللغة والحدث والشخصيات وكل اللواحق الاخرى , فالحيز المكاني في (اصدقاء الشمس) والزمان كان متعبا بشكل تراتبي ينقل حيزا وفضاء يدلل على فهم خاص للطفل ويشكل له حيزا عاما للتكوينات البصرية والعلاقات العامة التي تضمن له الوجود تأثير جمالي موحد جامح فيه بالاعتماد على خيال فيه الجدة والتأثيرات النقدية فهو يناقش بكل صراحة وتوضيح لاعتقاده بان المكان المسرحي هو حيز مهم من الجو المسرحي العام , فلا تكون لعبة مسرحية بدون وجود تنصيصات مكانية متحولة مرسومة بتحصيل خاصل لمعمار الديكور والجو العام والبنية الجمالية  .
   يعتقد جاسم محمد صالح ان البنية الجمالية للمكان هو تحقيق  قبلي واولي لانه يعين البورة المكانية المتولدة الذي توزع نظام المعمار وطبيعة الديكورات تقع على اشارة ايقونية مستنيرة برؤيا خلاقة تسود فيها النسبة اللونية ومقترح بناء الاضواء ويظهر ذلك من خلال اعطاء الجو العام المبثوث داخل سيناريو العرض بحيث نجد تنسيقا اعلاميا يلاحقه توظيف درامي لغوي مؤثر فيه المكان على انه لغة داعمة لنظام العلامات لا للعكس , ايضا بل يتبعه التصاق بنظام علائقي , فمدونة الزمان والمكان عنده واضحة وموظفة توظيفا فنيا من خلال اقامة عمق علائقي متعدد بين اطراف المسرحية .
    لقد استنتج جاسم محمد صالح امكنة  شائعة  في المسرح العراقي منها : المزرعة والحقل والغابة والطريق في بحثه عن زمنية تتبع مقدمات المكان بشكل صائب , بحيث تخلق نظاما ايقاعيا بنسبة متوازنة , فالزمن لديه متحول متعدد تحول المكان حيث يعمل على فرش التاريخ باختصارات كونية ذات انعكاسات واقعية يؤكد احقية المكان بان يكون مؤثرا في مخيلة الطفل ليتبين حقيقة توازن نسبة الموروث في الواقع الحالي , اي تحقيق مبدا الواقع والخيال , لذلك كان مبدا تغيير الامكنة لكل المسرحية له فهم ومعنى , وهذا يتحقق من توازن فكري من خلال تطبيق توازن مكاني بوصفه مكانا مسرحيا متغيرا ثابت الرؤيا متغير الاحداث فهو يعتمد على توازن ليتحق مبدا عام لكل عمل مسرحي نقطة تحول متوازنة تتفاعل مع اختلافات الاحداث المسرحية وتعمل على بناء شرط عضوي بعيدا عن مرحلة البلد وتاريخه , لانّه _ اي المؤلف _ يعتقد ان قيمة الدلالة الفنية المتكونة داخل الرؤيا البصرية للطفل يمنحها ثراء واغناء وتأثيرا جماليا مفرطا , فهو يعطي العنان بشكل مطلق للمخرج المسرحي بترجمة المكان عمليا بما ينفع تجسيد الرؤيا الثقافية بكثافة ودلالية مركزة ومركزية معمقة .
    انه يحاول  في مسرحية (اصدقاء الشمس) ان يكون اكثر دقّة في تشخيص الايقونة المكانية لتبدو ومجمل سمات الموروث والذاكرة الجمعية المجتمعية بأناقة وهوية ونبتة تزرع نبتة , ان هناك جدلية كبيرة بين المكان والزمان والفلسفة وبين المكان والآراء المحلقة مؤدية في النهاية الى استنتاج علائقي بين التأليف والمكان , لذلك فانه كان يسعى دائما في اقبية المكان ليناقش السؤال الجمالي في طرف المعادلة الابداعية الفنية التي تكون : ( المبدع , المتلقي , الناقد )  بحيث يُحدث مسارا نقديا موازيا بشكل كبير للخط الابداعي في احداث مسرحيته وهذا يتجسّد من الفرضية المكانية التي تجسّدت عبر حقل دلالي وانساق بنيوية ومنظومة علاماتية متركزة    في النص.
   ان لتأثيرات المناهج  والمدارس المسرحية  اثرا في تكوين نظام الكتابة عند جاسم محمد صالح  , فهو يوزع افتراضاته المكانية مع تطبيقات فن السينوغرافيا , فالمكان عنده يمثل خطا ابداعيا داخل العرض المسرحي يحتوي نظاما علاميا وعلامات تكوين واثرا فنيا , لأنه يعرض فهم العمل الفني كوحدة قائمة بذاتها , فالمكان لديه مدرك حسي يفككه الى وحدات وكيانات ثم يعود الى بناء عناصره بوصفه علامات مركبة يجاور ذلك شبكة علاقات التي تربط عناصر العمل الفني ووحداته بنظام ونظام انساق البنيوية , لأنه يعتقد ان العمل الفني كلية واحدة وفهمه بوصف حقلا دلاليا واثرا جماليا . 
لقد استثمر جاسم محمد صالح التجربة المسرحية العراقية في مسرح الطفل ليقدم لنا نماذج عراقية فيها  يتماثل المكان بتشخيص كبير للواقعية السحرية التي اقترحها في نصوصه ومنها مسرحية (اصدقاء الشمس) ليحقق من خلالها بنية نصية بصرية مقترحة تمسك الحدث بما يعزز الغرائبية التي يبحث عنها خيال الطفل والتي يقتفي اثرهاٍ بحثا عن تنضيد بصري مفسرا ماهية اللعبة المسرحية لخوض غمار بنية  ايقاعية حسية بعيداٍ عن متاهات الحرب الالكترونية المربكة لخياله , فالتأصيل موجود والمفاهيم المطروحة عبر خاصية المكان بحيث يدرك المعنى الجمالي من الرسالة التي تمنحه متسعا كبيرا من الارتباط بالمكان المطروح ليكون معتركا تطبيقيا في تربية ذائقته الحسية , فهو ان وجد هذه النفسية المتحولة المكانية فان المدخلات اللغوية والبصرية تكون مجالا ذاتيا وموضوعيا في الوقت نفسه تخلق في النهاية اثرا تربويا واخلاقا شعوريا للانتماء للوطن عبر تأشير مجموعة من العلاقات المكانية المتحولة ذات التأثير الايقاعي المتنامي وفق سياق متناغم واسلوب وتاثير هيّا له خارجيا بان يكون نظاما ونسقا قائما بذاته بما يتجانس مع العناصر الاخرى , لقد كانت (اصدقاء الشمس) معبرا رئيسيا في تكوين نظام علائقي ومكاني وايقوني يحاكي فيها الثيمة المبثوثة متمثلة في شكلها عبر الصورة الفوتغرافية المكونة للدال (الشمس) والمدلول وبما يرتبط به من اسباب منطقية في الحياة مثل ارتباط الخير والنماء والزراعة والحصاد وكل ما يعتري النفس البشرية من طيب وخير وتعاون  بان تبدو ناصعة ولا تحجب بغربال بل يظهر جليا للعالم يتنفس منها الانسانٍ والحيوان ضواء لتشع منه للأجيال .
 


تابعنا على
تصميم وتطوير