رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
قراءة في قصيدة ( يا كاتبي الشعر )للشاعر سامي ندا جاسم الدوري


المشاهدات 1248
تاريخ الإضافة 2022/01/23 - 7:31 PM
آخر تحديث 2024/04/16 - 8:54 AM

د. باسل مولود التكريتي 
سامي ندا شاعر فصيح وكاتب مبدع له ديوان شعري سماه الاريج كتب كل الوان الشعر العمودي والغزل والرثاء   مرورا بالام وختاما كتب للوطن الكبير أخذته القصيدة منذ طفولته، حيث كانت القراءة تمثل الملاذ والعالم الآخر الموازي، والذي يجد فيه ما يتيح لخياله الارتحال إلى منازل ومواطن وعوالم أخرى لا يتسنى لغير الكتاب تنقلك إليها القراءة 
القرأة عند سامي  هي زاد العقل والروح والوجدان بالنسبة له و هي اختزال لعصارة أفكاره ، ويجد فيها ما يحتاج إليه لكي يمضي في طريق العطاء الفكري والإبداعي مستحلما بتجارب مخضبة برؤية الآخرين المعطرة بفهمه للذات من خلال الآخر ونظرته لما سواه ولمن سواه على حد سواء. يلاحظ القارئ عند الاطلاع  على منجز سامي الشعري هو اهتمامه بالقصيدة الكلاسيكية،
 نقول ان من يقرأ اعمال الشاعر الدوري الشعرية تكمن عنده  في متن النص الشعري قبل شكله، فمعنى القصيدة هو ما يجعلها مميزة تستحق التقديم للمتلقي وليس مبناها، المبنى ضروري من حيث تحقيق الهكيل البنائي للنص، فقصيدة د سامي ندا  هي العمود الذي  حمل على ظهره حمل الثقافة الشعرية  المحكية على مدى اربعة عقود ونيف، واستمرار الدوري  على هذا المنوال وكان ولا زال يقدم الكثير من شعره ليعبر عنه وعن همومه وقضاياه وقضايا الوطن ومنها هذه القصيدة  بطريقة . وذائقة الشارع والجمهور الذي تعود على القصيدة بشكلها البيتي المعتاد، فأصبحت قصيدة العمود لشاعرنا هي المعيار  حتى استوفت شروط الشعرية الحقة.حيث  أننا نجد أنها الأقرب لذائقته وأسلوب تفكيره ونظرتيه الإبداعية للنص.يقول الشاعر:-
يا كــــاتبي الشعر يا أشباه عذالي        
        لا تكتبوا الشــعر للباغين والوالي 
فالشعر سيف وكـف الـجود تحمله      
         والشعر نبض بقلـب صادق غالي 
     هذا الاستدلال الذي افتتح القصيدة فيه بجمله فعلية ودخل الى النص بقوة ،وهو يخاطب معشر الشعراء ويحثهم على الالتزام بالقيم النبيلة ان استنطاق إلى هنا التي طرحها الدوري   يؤشر جنوح كل نموذج الى فلسفة خاصة في بناء القصيدة   ، ففي حين تميل قصائد سامي الدوري  مثلا إلى ان تلخص موضوعة النص، وتشتغل على أساس كونها قصيدة ظل أو قصيدة مصغرة داخل القصيدة   الكبرى ،
كما يقول فالشعر لله ثم الأهـــل في بلدي         
     كوجه أمـي الذي    قد صان أفعالي 
ووجه شيخي بزوغ الفجر يمنحني        
       أحـلى الخصال من هدي وأعمال
 نجد ان الدوري  ينتهج نهجا بان يجعل من قصيدته  الهدف الذي تسير القصيدة منذ البداية للوصول إليه وذلك بان تطرح القصيدة لديه فكرة تعمل ابياتها  على إكمالها ، وهما بذلك منهجان  متتمان لبعضهما كما يختلفان عن  بعض الشعراء الذي تجنح قصائدهم إلى ان تستقل ببيت يسعى إلى تدوير القصيدة بجعل البيت الأخير منها محاورا للاستهلال حتى وان اشر ذلك انقطاعا بين بيت  والبيت الذي     قبله.
      ان البيت الأول أعلاه مع الشطر الأول من البيت الثاني يرتبطان ببعضهما تركيبيا ودلاليا من حيث ان الشطر الأول للبيت الثاني هو امتداد ((لكلمة لاتكتبوا) في البيت الأول . لتبدأ    كلمة لاتركعوا في الشطر الثاني من البيت الثاني على نحو يشعر المتلقي بان الشطر الأول من البيت الثاني لاحق بالبيت الذي قبله ومنقطع عن شطره الثاني . فالاشتغال على الصورة الشعرية باد في الاشطر الثلاث الأولى على خلاف ما هو عليه الأمر في الشطر الأخير الذي التجا إلى نثرية واضحة على مستوى التركيب ، لكنها نثرية تحمل شحنة انفعالية كبيرة في استفهامها الانكاري الذي ترفعه القصيدة يوجه الشاعر سامي ندا  بعد ان عرض المتن لا جدوى من الكتابة من غير مبادئ       يؤمن بها  
ما قيمة الشعر لو صارت قصـائده      
         تقبل الكف كي تحضى بأسمــال 
ما قيمة الشعر إن تاهت نوافـــله          
           وصار قردا بعقل ساذج خــــالي 
ان تغير الظرف الذي تعيشه الذات الحاكية في القصيدة في قصيدة سامي ندا وتحولها مع الزمن كما عرضتها القصيدة في أبياتها إلى ما قبل البيتين الآنفين يبدو طرحا ناقصا في القصيدة ما لم تسعفه بسؤال فيه نبرة عتاب وإنكار وتضمين مبطن للاجدوى الشعرية حتى يصبح كالقرد في قوله  ، وهو ما قامت الخاتمة بإكماله في شطرها الأخير من البيت الأخير . كما يقول(وصار شعري كقرص الخبز     تأكله          
         كل البرايا وما غيـــرت موالي 
ان ظاهرة الخاتمة التكميلية عند سامي الدوري   تكاد تطبع نفسها بطابع بنائي خاص باتكاء الخاتمة في تدلالها على الشطر الأخير من البيت الأخير إذ غالبا ما يهيء للاختتام ببيت ونصف بيت بعده ليأتي الشطر الأخير من البيت الأخير عملا تكميليا للفكرة التي يطرحها ، ويجعل من الشطر الأخير في البيت الأخير شحنة عاطفية تشعر المتلقي بالاكتفاء وتقنعه     بالنهاية.
ثم يمضي في وصف صورة العلاقة بين الشاعر والوطن  على أساس ما يحدده هذا البيت التاطيري الذي يجعل من رغيف الخبز الذي تاكله وحوش البرايا، السبب في خذلان العلاقة بين الشاعر  ووطنه  
١.هذا ندائي مدى   الأيام      أطــــلقه       
        هلا سمعــتم دعاة الشعــر أقوالي 
٢لا توزنوا الشــعر بالأموال تنقصه      
         فالشعر تبر وسعـــر التبر بالغالي 
   ان الشطر الأول من البيت الثاني من هذه المقطوعة هنا ما هو إلا إضافة وإكمال للصورة الكنانية التي يتوخى البيت الذي قبله إيصالها من حيث ان الفتور والإحساس بحب الوطن  هو ما يؤطر العلاقة بين الشاعر والوطن  مع ملاحظة ان الابتذال والتفريط بالقيم  هنا سببها المصلحة الذي أحبطته حالة الاحتلال المؤكدة في الاستهلال فكانت النتيجة ان البحث عن (البؤس ) بمحمولها الرخيص  الدافع إلى  العفة في المبادئ  لاستمرار الإنسان على الأرض ، هو بحث محكوم بالفشل ، وهكذا تبدأ القصيدة بحدث يغير مشاعر الإنسان ( كف الجود، وجه الام ،دعاة الشعر ) وتعرض لحالة من محاولة تفعيل ردة فعل من نوع ما تجاه هذا المنهج     القيمي ...
تعد هذه القصيدة من القصائد الوطنية الجميلة وتحمل رسالة دمت ودام قلمك النابض...
 


تابعنا على
تصميم وتطوير