جريدة الزوراء العراقية

العدلُ المُفتقدُ في « ساعة عدلٍ « للقاص د . محمد فتحي عبد العال


ســيــد  جــمــعــة
  ناقد تشكيلي واديب  
العدل من العدالة ؛ و العدلُ و الإعتدالُ في كل شئ من القيم والثوابت الدينية والأخلاقية وعليه وبهِ تنشأُ وتنمو المجتمعات الإنسانية وتزدهرُ فهو غايةٌ و وسيلة من وسائل التنافس الشريف الذي يُحركُ  الأفراد وبالتالي المجتمعات نحو الرقي .
    وهنا في قصة أديبنا د . محمد فتحي عبد العال « ساعة عدل « يُجسدُ فيها أهمية « العدل « في إقتلاع الفساد و نشر ثقافة التكافل والتنافس الشريف دون إقصاءٍ للأخر و إحتكارٍ لسلطةٍ أو هيمنة الأغنياء علي المُقدرات التي منحها الله للبشر عامة على أن يستفيد منها كلٍ على قدر جهده وعلمهِ بلا غُبنٍ أو ظلمٌ بل بعدلٍ أساسهُ السواسية بين الناسِ في الحقوق و الواجبات.
بطل الرواية الصيدلي فتحي  إنتصف به العمر بلغ الأربعين عاماً ولم يُحقق نجاحاتِ في عمله أو مكانته في المجتمع إسوة بأقرانهِ زملائه في الدراسة وشعر في لحظةٍ أنهُ عليه أن يُغير من مسار حياته لكن الصدفة المُتوقعة  -كما قال نجيب محفوظ في إحدي رواياتهِ - تأتي لأنها موجودة فقط نتلمس الطريقُ إليها ، وجاءت هذه الصدفة لبطل الرواية  في إعلان شغل وظيفة صيدلي في الصحراء الكبري ( مناطق حدودية مُتنازعٌ عليها بين الجزائر والمغرب سُكانُها الأصليون الأمازيج ) لم يشترط الإعلان فئة عمرية  للعمل كصيدلي في مستشفي خاص ؛ فصحب إجتهاده و مُثابرتهِ في العمل وخبرتهِ وقراءاتهِ الجيدة للتاريخ و التراث معه علي متنْ الطائرة ليبدأ حياته بعد الأربعين في بيئةٌ صحراوية مُغايرة لمدينته الصغيرة التي عاش فيها نصف عمره الإفتراضي ! مُستشفي إستثماري مملوكة لفرد جاهلٌ يَملكُ المال فقط و يستثمره وفق هواهُ وعقليتهُ فلا علم ولا خبرة ولا هدف سوى الربح ولاشئٌ سواه ؛ يقود مجموعةً من البشر يفرضُ عليهم هدفه الأساسي والوحيد « مزيد من الربح .. تجنب الخسارة  بكل السبل « ، المستشفي يعمل به مجموعة من البشر مُختلفي و متعددي الجنسيات  والأعراق والمذاهب ؛ لكن أغلبهم مصريين نازحين أو فارين من بلادهم مع عرب وجنسياتٌ أخري دوافعهم شتى ؛ تلاقوا أو جمعهم المؤلف ليعكس لنا تداعِ القيم هو سبب النزوح والهجرة من الدول التي يُقالُ انها نامية ، إذن نحن مع الصيدلي المُجتهد و الخبير والقارئ والواعي من قراءة التاريخ والتراث والمُدركُ مواطن القوة ومواطن الضعف التي اهلكت وأبادت الممالك عبر العصور ، ألمَ وعرفَ وقرأَ شخصية الجميع بدءاً من صاحب المال إلي كل الموظفين وفق وظائفهم و مسمياتِها في الهيكل الإداري للمُستشفي ؛ عَرف المرتشي ، وعَرف عديم الخبرة ، وعَرف المنافق والدجال المشعوذ ، والمتحرش ، عرفَ الجميع على إختلاف الطباعِ والأهدافِ ، وسعى للإصلاح ، بادئاً بِمنابتْ الفسادِ وجذورهِ بعد أن عرف ولمس مظاهرهُ لتكون لديه الحُجة في المواجهة ، و َوضع حصيلة ما عرفهُ كلِ ورتبهُ وفق الأشخاص والأقسام الرئيسة في المستشفي ، ثُم إقتحم كما يقتحمُ الثائر أوكاروجحور الثعابين بلا خوفٍ مُصطحباً وعارضاً حُجتِهِ من خلال مواطن الفسادٍ وعلاماتِها في كل قسم سواء لائحة أو قاعدة غير مكتوبة أو عُرف يجري العمل بهِ  ، واجه الجميع بوضوح ، و وفق خطة عملية ليبدأ الجميع في الإصلاح  والتغيير؛ وبطبيعة الحال واجه إما رفضاً واضحاً أو مُحاولات الإلتفاف حول إسلوب الإصلاح المُقترح ، أو كما قيل لهُ لوقفهِ وردعهِ ، تلك إرشادات وتوجيهات صاحب المال ، فسعى للقاءصاحب العمل نفسهِ عسى أن يجد لديه ما يُعينهُ ؛ لكنه فوجئ أن الجميع صاحب العمل و موظفي المستشفي علي نفس الشاكلة بلا قيم أو بقيمةُ واحدة « المال « ولاشئ غيره يُعلى عليهِ وأن القوم التاريخ والتراث والحكمةِ لن يكونوا سبيلاً مباشراً لتغييرهم .
لقد حققت المستشفي نجاحاً زائفاً بفضل التزوير والمغالطات والإعدادات الشكلية امام لجان المراقبة والتفتيش ، الأمر الذي أقنع الجميع بما فيهم صاحب رأس المال ان المستشفي  ناجحٌ ؛ فا إغتر الجميع ، مما دفع دكتور فتحي إلي تقديم إستقالتهِ ، وأدرك من خلال جلسات الصوفية التي رأي فيها لبعضِ الوقتِ ملاذاً آمِنناً بين حدة الصراعِ الذي في رأسه بين العلمِ الحديثِ وبعضٌ مأ صح و ورد في التراث  ؛ فنجدهُ  يقول مُحدثاً صديقهُ :
 ( -  إن الصوفية هي الميراث الجامع لكل ما قاله الفلاسفة من حكم ومواعظ تدعو لاصلاح النفس وفضائل الاعمال وعلى رأسها العدل .ان الصوفية شمس تشرق على النفس وتسمو بها وتصل بالروح الى المعارف كلها . 
-لا اطمئن لهذا الكلام يا فتحي فشتان بين الفلسفة القائمة على أراء حكماء اليونان والتصوف الديني الاسلامي والجمع بينهما مبالغات ) .
ويَختمُ مؤلفنا قصتهُ بهذه الفقرة كأنما يُؤكد لنا ، أنه حين يَستفحلُ الفسادُ في الأُمة بدايةُ من الرأس إلي سائر القطيعُ لا يكون هناك سوى مهرباً واحداً .
تقول سطور الفقرة :
(غادر فتحي المستشفي الى غير رجعة متنفسا الصعداء وبدأ يقبع طوال الوقت مع الشيخ أبو السعود وشيئا فشيئا بدأ يكون حلقته الخاصة ويتجمع حوله مريديه وأصبح من يومها الشيخ فتحي  ) .
•الروايةُ أو القصة عَرضتْ مَظاهر الفسادِ ، و وسائلِ إقتلاعهُ لكن كان علي المؤلف بنفس دقةِ هذا العرض أن يُكسبُ الشخصيات ملامحًها الذاتية لِنشعرَ بنبضِها وحركتِها وتفاعلاتِها مع الأحداث .•لُغة السردِ بسيطةٌ تحملُ عناصر التشويق  العادية والسلسة فلا غلو ولا إفراطٍ وذلك مِن خلال احداثِ مُتتالية غَلب عليها وصف الراويّ .


المشاهدات 1131
تاريخ الإضافة 2022/01/12 - 7:43 PM
آخر تحديث 2024/03/21 - 5:24 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com