رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
سيميائية ( الرواية العربية في دائرة التأويل ) للناقد فاضل ثامر


المشاهدات 1222
تاريخ الإضافة 2021/11/30 - 6:46 PM
آخر تحديث 2024/04/10 - 3:22 PM

أ.د. مصطفى لطيف عارف
ناقد وقاص عراقي
 النص الأدبي بنية تواصلية قبل كل شيء ، على الرغم من كونه سلسلة من الإشارات أو العلامات اللغوية التي تشكل بمجملها معطى سيميائيا يتصف بصعوبة الكشف عن معناه ، نظرا لاعتماده آلية التلميح دون التصريح مما يستدعي خصوصية في التعامل معه ، هذه الخصوصية تتجلى في المرونة التي منحتها السيمياء ، فضلا عن التأويلية ,ونظرية التلقي لمتلقي هذا النمط التواصلي نحو اجتهاد فردي ذاتي في الكشف عن المعنى ، وعلى هذا الأساس تحرص اغلب النصوص الأدبية منذ عنوانها على تشفير معانيها ودلالاتها النهائية في عدد من الإشارات والرموز التي تضم تلك المعاني في كتاب ( الرواية العربية في دائرة التأويل ) للناقد الكبير فاضل ثامر الذي طبق المنهج النقدي التأويلي على مجموعة كبيرة من الروايات العربية المتميزة , والتي تنطبق عليها التأويلية بشكل مباشر , وإن كل  ما يميز الناقد فاضل ثامر في كتابه  المعيار اللغوي المألوف الذي يجعل الروائي  يعمد إلى الإيحاءات والتلميحات والرموز والإشارات لإيصال رسالته ومحمله الأيديولوجي ، وهو بهذا يقبض على غايتين في آن واحد ؛ الأولى تحقق له التأثير في نفس المرسل إليه ( المتلقي ) ، الذي ينفر من المباشرة ، والثانية تجنيبه الرقابة ، ولاسيما في البلدان المتقدمة ، وفي هذا الصدد أشار النقاد والباحثون إلى أن تغييب الدلالة الحقيقية للخطاب الأدبي ارتبط ـ في بعض حالاته ـ بدرجة الانهيار والتفتت والقمع على مستويات الحياة كلها   ، حتى صار ما يقوله النص ينجز معناه الكامل في ما لم يقله  ، وبناء عليه فان ما يقال في هذه النصوص ليس هو المقصود دائما ، وان ما يجب انجازه يظل في الحقيقة غير منجز  ،وعليه فان الغامض هنا هو المرئي وليس غير المرئي ، وتأكيدا على ما تقدم أوصى علماء اللغة واضعي القوانين تحري الدقة عندما يصوغون قوانينهم ، وان تكون لغتهم واضحة لا لبس فيها حتى يسدوا الطريق على الاجتهادات والتأويلات المتعددة ، فهم ليسوا أدباء حتى يميلوا إلى الغموض والتعمية    ، بعد أن كانت قد بدأت بالمؤلف ثم سرعان ما تحولت إلى النص نفسه وأخيرا انتقلت إلى المتلقي أو القارئ بوصفه مبدعا لا متلقيا سلبيا حسب ، فقد آن الأوان ـ بحسب هذه النظريات ـ لفسح المجال للمتلقي لتفعل فعلها في إنتاج الأدب، وقد أطلق على هذه النظريات النقدية أو الاتجاهات تسمية اتجاهات ما بعد البنيوية ، لأنها اتجاهات نقدية تولدت من نقاط اقتراب أو ابتعاد عن البنيوية ، ثم صارت فيما بعد مناهج أو نظريات قائمة بذاتها لها طابعها الخاص كالتفكيكية ونظرية القراءة والتلقي  التي يعتقد أصحابها أن المتلقي هو المنتج الحقيقي للمعنى الأدبي، وان كل نص نقوم بقراءته هو في الواقع المعنى الذي اقصده أنا كقارئ  ،فنراه يقول ثمة منحى جديد في الرواية العراقية الحديثة يقترن بسمتين أساسيتين بدأتا بالتجذر في بنية هذه الرواية هما الانفتاح على فضاءات الميتاسرد وإقامة حوار مع التاريخ , ويمثل هذا المنحى الجديد بالنزعة التنبؤية والرؤيوية التي تستكشف المستقبل , وتعد القارئ من خلال عقد قرائي بالكشف عن المستور والمغيب وما هو غامض أو محرك للإحداث  ,أي إن أيديولوجية وثقافة القارئ ، فضلا عن زمانه ومواقفه كلها عناصر تدخل في تشكيل المعنى وإنتاجه  ، ذلك لأن القارئ لا يأتي إلى النص خلوا من كل شيء ، ولغرض التقليل من حدة ميل أصحاب هذه النظرية صوب القارئ وعده المنتج الحقيقي والوحيد للمعنى الأدبي اقترح أصحاب مدرسة جنيف النقدية حلا وسطا بين القصدية والقراءة والتلقي وهو إقامة المعنى الأدبي على ثنائية الإنتاج بين القارئ والمؤلف معا  ، وفي ضوء ما تقدم يتضح أن التحليل السيميائي يقرا ما بين السطور ويستكشف العلاقات الدلالية غير المرئية، وهو يتأثر بشخصية من يقوم به وبالسياق الذي حوله ، لأنه يربط النص بالواقع ، لذلك قد يختلف التحليل من شخص إلى آخر ومن منطقة إلى أخرى ومن مدة زمنية إلى أخرى ، وهو مجال خصب للإبداع لعدم وجود القيود عليه ، سوى وجود دلائل على صحة هذا التحليل من عدمها0 على سبيل المثال تنفي فكرة القراءة الصحيحة الوحيدة ، وتعنى بفكرة تعدد القراءات التي تعتمد على مبدأ اللاجزم  ، ولاسيما النصوص الروائية الحديثة التي تسمح  لمتلقيها الذهاب بعيدا في تأويلها والإسهام على نحو فاعل في إنتاج دلالتها نظرا لما تنطوي عليه من إيحاء وغموض   , وعندما سلط الضوء الناقد فاضل ثامر على رواية     ( اعجام) فنراه يقول : ربما يلمس القارئ بعدا فلسفيا في مفهوم الــ (هنا) و( الهناك) لكني اعتقد أن الحمولات الأساسية تذهب إلى النقلة المكانية ذهنيا وسرديا , ونكتشف أن البطل نفسه كان مولعا بالتلاعب الحر باللغة  ,و منذ ابتدع العالمان اللغويان ـ السويسري  دي سوسير والأميركي بيرس ـ علم الإشارة أو علم العلامات الذي ترجمه النقاد العرب بالسيمياء ، منذ ذلك الوقت والنقاد يرون أن الروائي يعمد إلى مادة مبذولة في الحياة مستهلكة ومستخدمة لوظائف الاتصال اليومي ليقيم في داخلها نظاما فنيا جديدا يعتمد على شفرة موضوعية وجمالية ، وتقنية مخالفة لشفرة اللغة والثقافة المألوفة ، بل متراكبة فوقها ، فدار جهد النقاد على محاولة استخلاص قواعد هذا التشفير الأدبي ومعرفة كيفية تماسه وتخالفه مع شفرة لغة التعامل اليومي، أو كيف يمكن لهذه الأدوات اليومية الشائعة بين الناس أن تتحول بفعل التنظيم اللغوي إلى أعمال فنية متماسكة ذات أبنية دلالية ووظائف جمالية   ، فما السيمياء سوى تساؤلات تخص الطريقة التي ينتج الأديب بها معانيه   ، والحق إن دراسة سيمياء النص الأدبي لا تختلف اختلافا كليا عن التأويل التقليدي ، سوى أن الناقد السيميائي يضع النص وضعا مختلفا عما يضعه المؤول فيقدم أبعادا ويستبعد أخرى ، فضلا عن استخدامه منهجية نقدية معدة سلفا على عكس التأويل الذي يعتمد على فطنة المؤول وذكائه في  تفسير الرموز في النصوص اللغوية ، وإذا كان المؤول يبحث  في النص الأدبي عن معنى المؤلف الذي قصده ، فان الناقد السيميائي يبحث عن البنى النوعية التي تطلق ذلك المعنى وتقيده أو تجعله غامضا ،لأن النص من وجهة نظر سيميائية عبارة عن مجموعة من العلامات أو الإشارات ـ لغوية وغير لغوية ـ  في حين يسمح أصحاب نظرية القراءة والتلقي لقرائهم بتوليد المعاني التي يرونها مناسبة   , وعندما يحلل الناقد فاضل ثامر قصة ( المحجر) لمحمد خضير فنراه يقول :يقودنا القاص والروائي محمد خضير في قصته القصيرة المحجر إلى عالم سوداوي وديستوبي غامض ومتشابك , ويحمل الكثير من الإسرار والتابوات والمكبوحات والتناصات ويضعنا في مواجهة سلسلة لا تنتهي من الأعمال الروائية والقصصية التي تصور معاناة الإنسان في ظل أنظمة الاستبداد الشمولي والدكتاتوري التي تحيل الإنسان إلى مسخ يفقد حريته وإنسانيته  , والأديب  محمد خضير كغيره من أفراد المجتمع يتوجب عليه أن يهتم بقضايا مجتمعه من خلال الرؤية الفكرية والمعرفية والثقافية التي يبثها في نصه، وهذا يترك تأثيرا يرتقي إلى مستوى الفكر فيتحول إلى سلوك يحرك المشاعر ويوقظ الوجدان  وهذا المنهج التأويلي الذي سار عليه الناقد فاضل ثامر في كل الروايات العربية في كتابه الجديد, والممتع ( الرواية العربية في دائرة التأويل) وهو كتاب نقدي جديد على الساحة النقدية ، ونحن إذا نظرنا إلى الأدب بوصفه بنية جمالية لا تهدف إلى غاية ولا تحمل رسالة تريد إيصالها ، نكون قد أنكرنا على الأديب إنسانيته وجعلناه طفلا يقوم بنشاط عبثي لا جدوى منه ، وهذا ما يؤمن به أنصار اتجاه ( سيمياء التواصل ) كـجورج مونان اذ تعني السيمياء عندهم جميع أنواع السلوك أو الأنظمة التواصلية والبلاغية   للمعاني،وعند مقابلتنا خطاطة ياكوبسون التوصيلية مع ما جاءت به السيمياء ، ولاسيما عند دي سوسير، تغدو الإشارة أو العلامة السيميولوجية رسالة عند ياكوبسون ، التي  يمكن أن تكون نصا أدبيا أيضا ،فالإشارة بالمفهوم الحديث تدل على ما تحيل عليه الموجودات ، فهي شيء يخبر بشيء آخر  ،وإذا ذهبنا بعيدا في المطابقة فان المرسل إليه في نظرية ياكوبسون التواصلية يغدو متلقيا عند أصحاب نظرية القراءة والتلقي   ،ومن ثم فان العناصر الرئيسة لتلك الترسيمة ستغدو كالآتي : ( المؤلف ـ الإشارة ـ المتلقي ) ، وعليه فان نظرية الاتصال الياكوبسونية ستنطوي على الأدب بوصفه شكلا من أشكال التوصيل ، لأنه فن ليس لديه غير اللغة ليصنع بها نفسه ، يهدف ـ فيما يهدف ـ إلى الاتصال, والتوصيل ، وبهذا فهو يشبه أي عملية تواصلية أخرى ، بل تنطبق عليه المواصفات نفسها التي أشار إليها ياكوبسون  ،. 
      

 
 


تابعنا على
تصميم وتطوير