رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الكفوء يغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم


المشاهدات 1352
تاريخ الإضافة 2021/11/29 - 6:34 PM
آخر تحديث 2024/03/21 - 6:30 PM

تعلمنا منذ الصغر « إذا كان الكلام من فضة فالسكوت من ذهب»، وعندما يعجز اللسان عن الحديث، وتعجز الجوارح عن التعبير، يكون «الصمت» هو المعبر الوحيد عما يشعر به الإنسان .
وأيضا الكلام كالدواء إن أقللت منه نفع، وإن أكثرت منه قتل.. وإذا افتخر الناس بحسن كلامهم فافتخر أنت بحسن صمتك.
والحديث عن السكوت «الصمت» و«خير الكلام» حديث ذو شجون، واصبح من الضرورات، لاسيما في زمننا هذا، الذي كثرت فيه «المماحكات والمناكفات» في جميع مرافق الحياة .
إذاً اتحدث في البداية عن «الصمت»، فهو رسالة إنصات للوجود، وهو شعور فريد، لا يتقنه الكثيرون، وفي بعض الأحيان يكون الصمت خيرا من الكلام.
وأروع ما قيل عن الصمت وقلة الكلام قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وآله وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت».
هنا اقول .. إن الإنسان الكفوء والناجح في رسم مسار حياته، لاسيما العملية منها هو الذي يغلق فمه قبل أن يغلق الناس آذانهم، ويفتح أذنيه قبل أن يفتح الناس أفواههم.
قد يكون الامر صعباً للغاية عليه في بعض المواقف، لاسيما اذا تعرض للقدح والنفاق والكلام غير الدقيق من اناس يحيطون به، فلا خيار أمامه إلا المواجهة الدقيقة والحكيمة.
لا تطلقن القول في غير بصر                  إن اللسان غير مأمون الضرر
فـ «الصـمـت» يمنحنا طاقة قوية للتفكير بعمق في كل ما يحصل حولنا، والتركيز بعقلانية على إجابتنا، ويجعلنا نسيطر على مَن أمامنا من خلال نظرات محملة بمعانٍ غير منطوقة تجعلهم حائرين في تفسيرها، كما يولد لدى الآخرين شعور بالغيظ الشديد، لأنهم يعتبرونه هجوما مستترا، فتكون الأقوى من دون كلام ولا تعب.
ونشعر بقيمة السكوت «الصمت» في شتى مرافق الحياة .. مثلا في العمل والاسواق وفي سيارات الاجرة وحتى في السياسة.
كنت اسمع بين الحين والاخر شكاوى من سلوك بعض الباعة أو سواق الاجرة «التاكسي» بأنهم يحرجون المواطنين الذين يستأجرونهم بكثرة الاسئلة، واستدراجهم في مواضيع هم في غنى عنها، لاسيما عندما يكون البلد في ظروف استثنائية تجد سائق «التاكسي» محللا سياسيا وأمنيا واقتصاديا، وهذا صعب جدا.. لذلك يختار المواطن الصمت او قلة الكلام، لانه يخشى من تقاطع وجهات النظر.
والصـمـت في المواقف المحرجة والصعبة يولد الاحترام، عكس الصراع والجدل الذي يولد التنافر والحقد.
ولو امتنع الناس عن التحدث عن أنفسهم وتناول الغير بالسوء، لأصيب الغالبية الكبرى من البشر بالبكم.
أما عن خير الكلام نقول .. لا تدع لِسانك يشارك عينيك عند انتقاد عيوب الآخرين، فلا تنس أنهم مثلك لهم عيون وألسن.
و«خير الكلام ما قل ودل» لا تفارق ألسنتنا ومجالسنا، فهي حاضرة في الحديث والكتابة، لكن مانراه ونسمعه في واقعنا المرير هو الابتعاد عن « خير الكلام».. فالحديث بصوت مرتفع والسجال، لاسيما العقيم، هو السائد في يومنا هذا.
نعم، لدينا حرية في الرأي والتعبير في الكتابة والحديث، وحتى في المناظرات التي نشاهدها في الفضائيات.. لكن كثرة الكلام قد يتسبب في انحراف اصل الحديث عن مساره.
اقول .. كن مستمعاً جيداً لتكن متحدثاً لبقاً.. يتحدث البعض بجمل كثيرة أمامنا قد نمل منها، ولا تأتي بأي فائدة، وبالعكس قد تكون جملة بكلمات قليلة نستفيد منها طوال حياتنا، وتأتي ثمارها وفائدتها.
من تلك الكلمات التي نشعر برقتها، وتدخل عقلنا وفكرنا وقلبنا ونمتصها، فهي اختصار جميل لكلمات بأسلوب تتشربه النفس كما يتشرب الشجر الماء، فيصبح من يسمعها يريد المزيد من التفصيل، بسبب متعة الكلمات التي قيلت، وقد لا يستطيع الشخص إيصال المعلومة للآخرين، بسبب عدم نضوج أفكاره وقدراته الذهنية، فالبشر مختلفون من حيث البيئة، والمستوى التعليمي، والقدرة على الاستيعاب .
فعلينا أن نعامل الناس بعقولهم وليس بعقولنا، كي نصل للفائدة، وتوصيل المعلومة بسلاسة وسهولة، ونتجنب الفهم الخاطئ، فعلينا إيصال المعلومة أولا بكلمات بسيطة قد يستغني السامع بها، أو يقرر إن كان يريد المزيد من التفصيل بعدها.


تابعنا على
تصميم وتطوير