رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
عبد الله حمدوك بلا ربطة عنق حمراء


المشاهدات 1444
تاريخ الإضافة 2021/10/26 - 6:58 PM
آخر تحديث 2024/04/24 - 9:03 PM

خرجت إنجيلا ميركل من المستشارية (أعلى منصب تنفيذي في ألمانيا) الى شقتها المتواضعة في برلين، بينما اقتيد عبد الله حمدوك (رئيس وزراء السودان المدني) من مقر الحكومة الى الزنزانة.. خبر عادي في عالمين مختلفين.. عالم أول تتساوى فيه قولا وفعلا (الكرعة وأم الشعر) وعالم ثالث عشر تنتظم فيه أنواع الأوسمة والنياشين على بدلات الجنرال حميدتي.. تعود ميركل الى شقتها تغسل المواعين، وتعد الطعام، تخرج الى محلات التسوق عائدة بـ «علاكة» فيها كل قيم التحضر والتمدن والتسامح، لا «القيم والمبادئ والبطولة والشرف».. تعود وقد أودعت في خزينة ألمانيا المليارات الممليرة من الودائع والأصول المالية.
عبد الله حمدوك ذو الربطة الحمراء التي تليق بأكاديمي كبير قضى شطرا طويلا من عمره بين المنظمات الدولية ممثلا لبلاده بوجه سمح ومهارات إدارية، لم يعد الى بيته بعد عناء يوم عمل طويل في بلد خربان من الباب للمحراب.. ميركل، وطوال الستة عشر عاما التي قضتها في المنصب، كانت تعرف متى تخرج صباحا ومتى تعود مساءً.. مواعيدها مثل الساعة بدءا من الفطور الصباحي الذي تعدّه بنفسها، الى خروجها الى دار المستشارية وانهماكها في عمل يوم طويل.. هذا اليوم الطويل تقضيه في متابعات إدارية وسياسية ليس فيه ما يقلق أبدا على المستوى الشخصي.
كل ما يحصل في يوم عمل ميركل وبين فناجين القهوة اتصال هاتفي من بوتين، او شيان جينيغ أو ترمب، وقبله أوباما وبعده بايدن.. جونسون في المطار، فرانسوا ميتران ينتظر على الخط، إيمانويل ماكرون سيتصل بعد ساعة، السيسي يود أن يشكر المستشارة على جهودها في قضية سد النهضة، شينزو آبي يدعو المستشارة الى زيارة عمل الى طوكيو، حسن روحاني يوفد ظريفاً الى المستشارة لمتابعة ملف دول الملف النووي (الـ 5 زائد واحد)، والواحد الزائد لفظا الأصيل عملا هي ألمانيا.. وهل يخفى القمر.
 يوم عمل عبد الله حمدوك معكوس تماما.. حمدوك يتصل بالبنك الدولي لتخفيف الديون، وطلب القروض.. حمدوك الذي كثيرا ما يضع سترته على حمالة قرب مكتبه ويتحرر قليلا من ربطة عنقه الحمراء يهاتف رئيس صندوق النقد الدولي طالبا تأجيل دفع فوائد القروض قبل 50 عاما.. عليه تمشية حال السودان بين انقلابين.. كل شيء مستعجل هنا، من سد النهضة ومشاكل آبي أحمد الى قائمة طويلة من المطالب يحملها حميدتي الجنرال المنقلب على انقلاب الجنرال عمر البشير الذي انقلب على الصادق المهدي زوج أخت حسن الترابي بترتيب من الترابي زوج أخت الصادق المهدي.. محكمة العدل الدولية التي تطالب بالبشير حيا أو ميتا الى دعوات قوى الحرية والتغيير لحمدوك أن لا يتساهل مع الجنرالات، خصوصا ذوي النياشين التي حصلوا عليها بسبب كتب الشكر بين كل انقلاب ودحر انقلاب. 
حمدوك لا يعرف كيف يبدأ يومه لكي يعرف كيف ينتهي.. كل شيء في السودان قابل للمفاجأة بمن في ذلك اقتياد الرجل التنفيذي الأول من المكتب الى الزنزانة.. لماذا؟ لأن إرادة «الغيارى والخيرين» اقتضت «بعد التوكل على الله»، وهي لازمة الانقلابات الشهيرة في العالم الثالث عشر، عمل انقلاب تصحيحي من أجل تصحيح انقلاب التصحيح.. وسام جديد على صدر الجنرال، وحمدوك يتذكر في الزنزانة أيام .. عرسه.


تابعنا على
تصميم وتطوير