جريدة الزوراء العراقية

العنصرية تلاحق القادمين من مستعمرات فرنسا السابقة ..خلافات باريس مع مستعمراتها السابقة تحيي جدلا حول الهوية والهجرة


باريس/متابعة الزوراء:
 يحيي الإرث الاستعماري لباريس من حين إلى آخر النقاش حول قضايا الهوية والهجرة والانقسام، حيث احتدت النقاشات مؤخرا بشأن هذه القضايا بالتزامن مع اقتراب موعد انعقاد الانتخابات الرئاسية، إذ يطالب اليمين المتطرف بالمزيد من تقييد حركة الهجرة القادمة من المستعمرات الفرنسية السابقة، في حين مازال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون يحاول منذ سنوات إيجاد فرص تقارب جديدة مع المستعمرات الأفريقية تمكن في ظاهرها من تجاوز الذاكرة الاستعمارية، لكنّ باحثين يقولون إنها محاولات لا تتجاوز فكرة كونها استعراضا للنفوذ الفرنسي هناك.
وقدم ماكرون نفسه على مدار السنوات الماضية، مرارا وتكرارا، على أنه راع لمعالجة حقبة الاستعمار الفرنسي، وعامل على تسوية ملف الذاكرة المشتركة الذي تشترط المستعمرات الفرنسية السابقة -وفي مقدمتها الجزائر- أن يكون من خلال الاعتراف بالذنب والتعويض المادي وإعادة الآثار المنهوبة.
وأكد الرئيس الفرنسي موقفه بإعلان عزمه إحياء الذكرى السنوية الستين لمذبحة باريس في السابع عشر من أكتوبر 1961 التي صُمِت عنها طويلا، والتي تحل ذكراها اليوم الأحد.
ووقعت هذه المذبحة الشهيرة قُبيل نهاية حرب الجزائر، التي كافحت فيها الجزائر من أجل الاستقلال عن فرنسا، خلال الفترة من عام 1954 حتى عام 1962، حيث فرضت فرنسا حظر تجوال على الفرنسيين المسلمين المنحدرين من الجزائر.
وفي السابع عشر من أكتوبر 1961 دعت هذه الفئة إلى مقاطعة في هيئة مظاهرات سلمية، تعرضت للقمع بشكل مُمَنْهج. وألقت الشرطة حينها القبض على حوالي 12 ألف جزائري، وضربت العديد منهم حتى الموت، وقتلت آخرين رميا بالرصاص. وتم العثور لاحقا على بعض الجثث في نهر السين. ولا يزال العدد الدقيق للضحايا غير معروف.
وتشير التقديرات في بعض الأحيان إلى سقوط حوالي 200 ضحية. ويتحدث متحف تاريخ الهجرة في باريس عن أكثر عمليات القمع دموية في غرب أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية.
وفي مقابل وعود ماكرون تدور في باريس خلال هذه الفترة نقاشات محتدمة حول الهوية وبشأن فكرة المجتمع الفرنسي المجزأ، وهما من آثار مرحلة ما بعد الاستعمار التي لا يمكن معالجتها ببضع إشارات.
وتقول المؤرخة مليكة رحال إنّ “فرنسا ظلت لفترة طويلة صامتة عن ماضيها الاستعماري. ورغم توفر المعلومات فإن التجاهل كان هو السائد”.
وترى رحال أن “النقاش حول ماضي باريس الاستعماري صار أكثر وضوحا اليوم، لكن مقاومته صارت أقوى أيضا”.
فالحقبة الاستعمارية لا تزال تؤثر على مُجريات الأمور في فرنسا، على سبيل المثال في ما يتعلق بقضية الانتماء، وفق ما يؤكده عالم الاجتماع أحمد بوبكر.
ويوضّح بوبكر “نحن بصدد تكوين رؤية عن المواطنة تقوم على أساس العرق والأصل الثقافي”، مشيرا إلى أن “التعامل من منطلق المساواة لا يُطبق على بعض الفرنسيين، حيث يتم تصوير الأشخاص الذين لديهم تاريخ هجرة من فترة ما بعد الاستعمار بشكل متزايد على أنهم مختلفون ويتم التمييز ضدهم”.
وبالنسبة إلى بوبكر تختلط هنا القضايا الاجتماعية بقضايا ما بعد الاستعمار، وقال “الناس الذين يعانون من أكثر الأوضاع خطورة هم أولئك الموجودون في الضواحي، وفي الضواحي يوجد في الغالب أناس لهم تاريخ هجرة من فترة ما بعد الاستعمار”.
ويوضح بوبكر أن الكثير من الشباب القادمين من مستعمرات فرنسية سابقة أو جذورهم من هناك يواجهون صعوبات في التعلم، كما أنهم على هامش سوق العمل، ويتعرضون للعنصرية حتى في أوقات فراغهم. ويرى بوبكر أن عدم وجود حل لهذا الأمر حتى الآن يرجع أيضا إلى رفض التذكير بالحقبة الاستعمارية.
وخلال حملته الانتخابية السابقة أبدى ماكرون -وهو أول رئيس فرنسي ولد بعد الحرب- عزمه على حلحلة هذا الملف ومحاولة تهدئة العلاقات المتقلبة منذ عقود بين البلدين والمرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتاريخ منذ غزو الجزائر واحتلالها عام 1830 إلى حرب الاستقلال.
وفي فبراير 2017 زار الرئيس الفرنسي الجزائر في خضم حملته للانتخابات الرئاسية، وصرح للتلفزيون الجزائري بأنه “من غير المقبول تمجيد الاستعمار” الذي “يمثل جزءا من التاريخ الفرنسي”، وهو “جريمة ضد الإنسانية”.
وقد لقيت تلك التصريحات انتقادا واسعا من خصوم ماكرون اليمينيين في فرنسا، بينما احتفظت بها الأوساط السياسية في الجزائر لمواجهة ماكرون في حال رفضه تقديم اعتذار رسمي.
وعلى عكس ذلك يُثار الآن في الحملة التمهيدية للانتخابات الفرنسية الرئاسية المقررة في أبريل المقبل موضوع آخر على نحو مكثف، ألا وهو الهجرة؛ حيث تروّج مارين لوبان -من حزب التجمع الوطني اليميني المتطرف- فكرة إجراء استفتاء للحد من الهجرة.
وهناك مطالبة أيضا من المعسكر المحافظ، الذي يتصدره كزافييه برتراند وفاليري بيكريس وميشيل بارنييه، بتطبيق نظام الحصص (الكوتة) ومنح الدولة المزيد من السيطرة.
وعلى الضفة اليمينية المتطرفة ينافس الشعبوي، إريك زمور، لوبان في التصريحات المتعلقة بطرد الأشخاص الذين لديهم تاريخ هجرة أو سن قانون يُلزم بأن يكون الاسم الأول للمواليد فرنسيا.
ويرى بوبكر أن الأمر لا يتعلق غالبا بالمهاجرين، بل بالفرنسيين الذين لديهم تاريخ هجرة.وبالنسبة إلى رحال يعكس هذا الجدل التوق الجلي إلى إمبراطورية فرنسية قوية يغلب عليها عنصر البيض والمسيحيين.
ويعيش في فرنسا عدد كبير من الجالية المغاربية والأفريقية من بين نحو 67 مليونا و500 ألف ساكن، فضلا عن المهاجرين غير النظاميين الذين يقيمون في فرنسا بطريقة غير قانونية والذين ارتفعت أعدادهم بوتيرة متصاعدة منذ العام الماضي، مما دفع فرنسا إلى البحث عن آليات للتصدي لعمليات الهجرة غير النظامية، وارتأت مؤخرا أن تفرض قيودا مشددة على إجراءات الدخول إلى أراضيها من تونس والجزائر والمغرب ردا على رفض الدول الثلاث استعادة مهاجرين من مواطنيها، وهو ما فاقم التوترات بينها وبين الجزائر.
وترى رحال أن الجدل الحالي حول الهجرة متشابك جدا بالتزامن مع التساؤل عن موضع الماضي الاستعماري في فرنسا من المعالجة.
ويبدو أن ماكرون مهتم أيضا بهذا التساؤل؛ ففي السنوات الأخيرة حاول مرارا بناء جسور مع الماضي الفرنسي والمستعمرات السابقة وأحفاد الأجيال التي عاشت الاستعمار.وخلال فترة رئاسته صدرت تقارير عن دور فرنسا في الجزائر ورواندا، ووعدت الدولة بإعادة المقتنيات الثقافية المنهوبة، كما وعد ماكرون مؤخرا بتقديم تعويضات للمقاتلين الجزائريين السابقين الذين قاتلوا لصالح فرنسا.
وترى المؤرخة فلورنس بيرنو أن هناك إرادة صادقة لمعالجة هذا الملف لم تشهدها من قبل لدى أي رئيس دولة فرنسي آخر. لكنها ترصد أيضا اتجاها نحو استعمارية جديدة يتجلى في محاولة ماكرون الإشارة باستمرار إلى أن فرنسا هي دائما الفاعل الرئيسي، وأن إعادة هيكلة العلاقات مع المستعمرات السابقة ستعمل في النهاية على إضفاء شرعية على النفوذ الفرنسي هناك.
وفي الرابع من أكتوبر الجاري عُقدت في مدينة مونبلييه الفرنسية القمة الأفريقية – الفرنسية الثامنة والعشرون بمشاركة 3 آلاف شاب وناشط من 54 دولة أفريقية.
 


المشاهدات 1210
تاريخ الإضافة 2021/10/16 - 7:48 PM
آخر تحديث 2024/03/24 - 2:22 AM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com