جريدة الزوراء العراقية

التنوع والتلون في ... الدجّال


يوسف  عبود جويعد
رواية (الدجّال) للروائي التونسي شوقي الصليعي، تحيلنا في  تفاصيلها الفنية، الى تقنيات صنعة الرواية الحديثة وعناصرها وأدواتها المستحدثة، فقد أعتمد الروائي في هذا النص السردي على المرويات والمرئيات والشيئيات وجعلها من العناصر الطاغية في المسيرة السردية، فهي الفضاء الذي غطى الأحداث ومجريات العمل الفني، حيث بدت لنا صاخبة مليئة بهذه العناصر، من أجل أن يجعل منها لوحة تشكيلية ضاجة بالحركة، هذا بعد أن ترتبط وتتصل وتتوحد مع العناصر والادوات الفنية الأخرى التي تدخل في فن صناعة الرواية، كالمكان والزمان والشخوص والأحداث والثيمة، والتركيبات والتوظيفات الملازمة لمثل هذا العمل الفني أضافة الى استخدامه للغة سردية شعرية حسية، تتلاءم وتنسجم مع السياقات الفنية التي تتطلبها حركة السرد والانتقالات الكبيرة، من البادية الى المدينة الى المناطق الجبلية حيث تدور الأحداث، كما ينقلنا الروائي الى عالم الأدب والصحافة والأنشطة والأدبية، وكذلك الى عالم النقد وأهميته، وهي البؤرة الرئيسية التي سوف ننطلق من خلالها الى هذا المد والطوفان الكبير من السرد، وكذلك أستخدم الروائي الواقعية السحرية نمطاً متبعاً لمتن النص.
وهكذا نلج الأحداث لندخل عالم الأدب لتظهر الشخصية الرئيسة لهذه الرواية الشاعرة مريم التي سطع نجمها وغزت الساحة الأدبية بقصائدها الحديثة التي أثارت الجدل بين الاوساط الأدبية، حيث أنبرى الناقد غازي ايوب ليكتب عنها، وهكذا تظهر الشخصيات تباعاً أمها الرسامة المعروفة شارلوت، وأختها حذام، وصاحبة الصحيفة شمس الأدب الناقدة نوال الحامدي، وهكذا وكما أن محور ومسار حركة السرد يعتمد على العناصر التي تم ذكرها وهي المرئيات والشيئيات والمرويات وبنمط الواقعية السحرية، فأنها أيضاً ضاجة بالشخوص كما هو الحال في بقية العناصر، لنتقل الى حياة الشخوص ونكون مع حياة الناقد غازي أيوب يوم ولادته: 
( - لم تشهد المدينة يوماً عاصفاً كيوم مولد الصحفي غازي أيوب، كانت ريح صفراء مُحملة بالغُبار تعصف مُنذ الفجر وأشجار الكالبتيس العملاقة تنوح مُطلقة صفيراً مُدوياً بأغصانها التي تحطمت على الطرقات، متسببة في خراب هائل وكانت أمه المسكينة وقد فاجأها الطلّق، تنزف مًشرفة على الهلاك وهي توشك أن تضعه) (ص 25) 
وبذات السياق الصاخب المليء بالأحداث من كل جانب ومن كل صوب وحدب، نتابع حياة شارلوت ام مريم عندما كانت في برلين، وانتقالها الى منطقة سكن زوجها رحمن في أحد مدن تونس، ووفاته بعد بلوغ مريم سنتها الثالثة عشر واضطرار شارلوت العمل من أجل استمرار الحياة، وهكذا تدور الأحداث داخل أكثر من دائرة وأكثر من هالة تظهر فيها هذه العناصر سالفة الذكر جلية واضحة، إذ لم نجد الأحداث مجردة تقليدية، بل إنها مليئة بهذه العناصر المكملة والمحيطة بحركة السرد والتي تضفي جمالية مبهرة لحركة الاحداث، التي بدأت تتصاعد نحو حبكتها، ليظهر هاشم الذي اندفع بشجاعة ليدافع عن مقتنيات المعرض التشكيلي للفنانة شارلوت وقدرته على صد الجماعة المسلحة والملثمين الذين اقتحموا المعرض وولوا هاربين، ومن هنا بدأت قصة حب تولد بين هاشم ومريم.
إن الأحداث الدائرة في هذا النص تتلون وتتشكل وتأخذ طبيعة البيئة والزمان والمكان التي تنتقل له، فتأخذ كل صفاته وما يحيط به من أشياء، ثم ننتقل الى مبروك وهو شخصية مركبة غريبة الأطوار حيث يقود ثلة من المتسولين المشردين ويعمل حارساً في مجلة شمس الأدب:
(قضى مبروك سنوات طويلة مشرداً في أوربا، في طوف لم ينج منه غير القليل ممّن حالفهم الحظ، وأشباح الموتى طافية على الموج تطارده في كل مكان، فانغمس في الرذيلة وبيع المخدرات ومعاقرة الخمرة وعاد أخيراً مطروداً مُعدماً لم يتمكن من العثور على لقمة يسد بها رمقه، فتوجه الى رفيقه القديم يطلب منه العون، فلم يبخل عليه وقاده الى مقر الصحيفة، حيث تلك المرأة المهيبة الناضجة نقية السريرة التي كانت تنسى أو تناست كل أذى سببّه لها عشيقها القديم غازي ايوب) (ص163 )
وهذه الانتقالة تلهب الاحداث وتنقلنا الى حياة المشردين ودخولهم خضم الاحداث، ونتابع حياة مبروك الذي يجد مغارة ويعثر على وثائق قديمة ومخطوطات مهمة، ثم نتابع نمو وتطور العلاقة بين مريم وهاشم، ونتابع ايضاً حياة نوال وتطورها، تتخلل هذه الاحداث موجات متتابعة من الاحداث المرتبطة، مع استمرار العملية الوصفية الساحرة لحركة السرد، وكذلك تخللت الاحداث الانتقال الى عالم الادب والشعر والنشاطات الادبية والمسابقات الادبية، وهناك انتقالات الى عالم البادية وسحرها وعالمها وجمالها وصحرائها وابلها وخيامها وطقوس ابنائها، وكذلك انتقالات الى المناطق الجبلية ووديانها وكهوفها وقممها وحياتها القاسية، وانتقالات لعالم الادب والادباء، وكذلك حفلت الرواية بكوابيس حلمية نقل الروائي من خلالها سحر الوصف.
إن الروائي شوقي الصليعي قدم من خلال روايته (الدجّال) عملاً يعتمد على التقنيات الفنية الحديثة، من خلال توظيف عناصر وادوات جديدة حديثة، وهو في ذلك يؤكد على أن العمل الروائي يعتمد على الجهد الفني الكبير الذي يوظف داخل متن النص.
شوقي الصليعي قاص وروائي من تونس
من اصدارات دار زينب للنشر والتوزيع 26 شارع الحبيب بورقيبة 8090 قليبية، نايل / تونس لعام 2019  


المشاهدات 1363
تاريخ الإضافة 2021/10/16 - 5:23 PM
آخر تحديث 2024/03/28 - 10:46 AM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com