رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
فاعلية اللغة الشعرية وتمثلاتها في رواية مراجيح الموتى للروائي عزام الرملي


المشاهدات 1395
تاريخ الإضافة 2021/10/13 - 5:55 PM
آخر تحديث 2024/03/28 - 2:01 PM

أنفال كاظم
في رواية مراجيح الموتى للروائي عزام الرملي والصادرة عن دار الابداع للطباعة والنشر٢٠٢١ ينطلق الروائي بحزمة من الذكريات المبعثرة هنا وهناك وتساؤلات جوهرية تمس صميم الجنس البشري ووجوده على سطح الأرض مع تناقضات فكرية تجوب العقل البشري وآلاف الحكايات والأساطير التي تطرق أبواب الذهن وتستدرج العقل ،كل هذه الأفكار والهلوسات والهذايانات كانت بمثابة موجة هوجاء تجتاح فكر القارئ منذ بداية الرواية حتى نهايتها وتكاد تشتته وتضيع نقطة انطلاق احداث الرواية التي اتسمت ببطيء الزمن السردي بسبب كثرت المشاهد الحوارية المونولوجية والمشاهد التصويرية والوقفات الوصفية للأماكن والشخوص والاستغراق في التفاصيل الدقيقة والأفراط في استخدام اللغة الشعرية اثناء السرد الذي أصيب بالترهل شيئًا فشيئاً مع التقدم في الرواية، ينتقل بنا (كريم) الراوي وهو الشخصية الرئيسية في الرواية بصوته المسموع الى جانب العديد من الشخصيات الثانوية في الرواية  من حزن لآخر ومن ألم لألم أكبر ومن خيبة الى خيبة مع أحلام بسيطة و اوجاع رسمها في طلاسم ابجدية ويراوغ بصمت هذه الحياة المثقلة بالهموم وكما وصف نفسه(يلتهمني الغياب على مراجيح الموتى اصحوا على اطلال قريتي المتطرفة حنيناً…)فقد اسهب في وصف قريته(اللوحة التي لاتقبل المحو) ،(القرية مملكة من الطبيعة والجمال والهواء الطلق والبلابل المغردة مقارنة مع طبيعة المدينة وألوانها المزيفة)مكانه الأول ووطنه الأول وعشقه الأول فلم يترك تفصيلة في ذاكرته الا وصب عليها اهتمامه مثل البيوت ومناخها وكيفية وسهولة بناءها والطبيعة الخلابة بكل معطياتها وعناصرها المتناغمة مع روح الانسان القروي والأطفال البسطاء، كما واخذ الوطن مساحة واسعة وربما شاملة في الرواية فقد شبهه بالرجل المذبوح واغدقه بكلمات الحب والحنين والحزن المدقع ثم يجعل منه رمزية دلالية فذة للقرية والأم والجدة والصديق والحبيبة وكيف ان هذا الوطن تفدى له الأرواح وتثار له دماء رجاله الجنود البواسل بخوذهم السوداء ووجوههم الكالحة وعيونهم الحمراء الممتلئة بالغبار خلف تلك السواتر وتحت وابل الرصاص وامام فكرة الموت المحتوم،ثم يلتفت لكف امه وحضنها الدافئ ويتغلغل الى أعماق قلبها ويصل به الحب والحنين الى استعادة ذكرياته حول اعمالها المنزلية التي تتسم بالبساطة والمؤطرة بالتعب والجهد في زمن مضى ذكراه تبث الراحة والطمأنينة في النفوس ،يتكلم عن فقد والده الذي ترك به جرحين جرح فراقه وجرح الوطن الباكي النازف، ثم عن قبوله بجامعة الموصل ورحلته التي انطلق بها تاركاً خلفه بيته الأليف والحياة القروية الهادئة لينتقل الى حياة جديدة ورفاقه الذين تساقطوا كأوراق الخريف كما وصفهم(فالرفاق جوارنا في حالتي الشهرة والمال والنفوذ وماعداها مجرد زيف عابر…)،مراجيح الموتى هي رحلة الحياة والموت والإنسانية والهروب والخوف والخطيئة وفتات الزمن والوطن الجريح والخير والشر والايمان والكفر وتجار الموت وصانعي الحروب والأسى والطفولة والصراع بين النظام المدني والقروي والفكر والعقائد والتصالح مع الذات والاستسلام والمعدمون في مشنقة الحلم،وعلى الرغم من ان هذه الرواية مشحونة بمشاعر متراكمة من الحزن والحنين والألم وطرحت بين سطورها الكثير من القضايا والأفكار الإنسانية والفلسفية الا انها تفتقر للاثارة والتشويق والمفارقة الدرامية التي من شأنها تثير دهشة القارئ وتجعله في وضع ترقب لما سيجري من احداث،فلم يوفق الروائي في صناعة مناخات ملائمة لبناء مشهد يثير القارئ ويجعله يلتهم النص للتعرف على خباياه واسراره وغموضه مما أدى الى الشعور بالملل في أحيان كثيرة ويعزى ذلك ايضاً الى اللغة الشعرية التي اغدق بها سطور الرواية مما اثر سلباً على البنية السردية لها وتنامي حركة السرد وتطوره بحيث أصبحت الشعرية غاية في حد ذاتها في الرواية وليس الحدث السردي مما شكل عبئاً على السرد والمتلقي بنفس الوقت،وجعل النص السردي مفتوحا على تأويلات عديدة حسب فهم وادراك القارئ ومدى استيعابه للدلالات التي حررها الروائي داخل النص ،وكما ذكرت زهراء ناظمي(ان اللغة في الرواية عادة ماتكون بسيطة لانها خطاب موجه الى مختلف شرائح المجتمع وهي تعبر عن لغة شرائحه الاجتماعية المتنوعة الا ان الروائي العربي الحديث اصبح يرتقي بلغة في سرده الروائي لتتحول الرواية الى رواية شعرية)،قدم الروائي كل أفكاره بلغة شعرية ونثرية تتجسد في صورها ودلالاتها وايحاءاتها من بداية الرواية حتى نهايتها وبأمكان أي قارئ ملاحظة ذلك ولكن ليس كل قارئ يستوعبها لان كثرتها تؤثر على تركيزه واسترساله بالاحداث وكا يرى عبد الملك مرتاض (لغة النثر لغة إخبارية ولغة الشعر تصويرية ايحائية ولكن الاجناس الأدبية تتجاور ويحدث تبادل في المواقع فادا الشعر نثر إذا كان نظماً وإذا النثر شعر اذا كان مشبعاً بالصور مثقلاً بالرؤى الشفافة محملا عل اجنحة الألفاظ ذات الخصوصية الشعرية)، كما ان الوقفات الوصفية بنوعيها كما ذكر في مدخل الى نظرية القصة (التي تتمثل بمساحة ا
لاستراحة التي يتوقف فيها السرد فاسحاً المجال لآلية الوصف والتصوير لمظاهر الأشياء او الأماكن او الشخصيات فهي اذاً ايقاف مسار الاحداث المتنامية الى الامام بغية وصف شيء ما) والمشهد التصويري والحواري كما جاء في بناء المشهد الروائي(فعل محدد يحدث في زمان ومكان محددين ويستغرق من الوقت بالقدر الذي لايكون فيه أي تغيير في المكان او قطع في استمرارية الزمن وهي احدى المظاهر المهمة لتبطئة السرد) ظهرت جلياً في الرواية واشتغلت على حساب الزمن الذي استغرقته الاحداث وادى ذلك بدوره الى تبطئة السرد وتعطيله أي إيقاف اتساع السرد وحركته الى الامام،كما وتلاعب الروائي بزمن الحكاية في مسار السرد الحاضر والرجوع بالزمن الى الماضي من خلال استخدام تقنية الاستباق(تقنية زمنية تستشرف الاحداث وتقرأ القادم منها) والاسترجاع(ايراد السارد لحدث سابق عبى النقطة الزمنية التي بلغها السرد). 
واخيراً ان رواية مراجيح الموتى استخدمت فاعلية اللغة الشعرية بكلا حالتيها الإيجابية المتمثلة بالمزاوجة بين جمالية النسيج اللغوي الشعري والسردي وايصال الصور المؤثرة لنفس القارئ، والسلبية المتمثلة ببطيء الزمن السردي وترهل السرد وتشتيت تركيز القارئ، الا اننا لا ننكر انها محاولة جديرة ان تسلط الأضواء عليها كأفكار وقضايا ومواضيع هادفة ومهمة.


تابعنا على
تصميم وتطوير