عن الترجمة والمترجمين ---------------------------------- رياض العلي الترجمة نشاط انساني يعمل على خلق التواصل الثقافي والعلمي والادبي بين الشعوب وهو نشاط قديم قدم الكتابة نفسها. ويمكن عد الترجمة الحديثة بأنها نص جديد موازي للنص المترجم وبحسب تعبير صالح علماني ان الترجمة شكل جديد لمضمون العمل الاصلي او هي شكل العمل في لغته الجديدة. ولكل لغة اسلوبها الخاص في التعبير او تراكيب الجملة والالفاظ التي نشأت كلها بفعل ظروف بشرية وبيئية واجتماعية واقتصادية ربما تشترك مع لغات اخرى ولكن هذا نادرا ما يحدث وهذا التباين والاختلاف يشكل اكبر تحدي يواجهه المترجم في عمله. وحينما نقول ان النص المترجم هو خلق جديد لم يكن موجودا من قبل لايعني هذا ان يتدخل المترجم كطرف توجيهي في العمل المترجم فيفترض انه غير متحيز الا اذا طلب منه ذلك او من تلقاء نفسه بدوافع شتى ففي بعض الاحيان يقع المترجم ضحية رؤيته الايديولوجية والثقافية او يقع تحت تأثير سياسة المؤسسة التي يترجم لها فيقوم بالحذف او تغيير المعنى او الاضافة لكن هذا لايعني ان يكون المترجم عبداً وفياً للنص الاصلي بل هو يكتبه مرة اخرى بأسلوب لغوي جديد مع الاحتفاظ بروح الاصل ،فالمترجم خائن كما يقول الايطاليون وهذه الخيانة تعني ان المترجم يقوم بكتابة العمل الاصلي من جديد. ويبين عبد الواحد لؤلؤة رأيه في الترجمة او طريقته فيها بقوله: أنت تقرأ أفلاطون في الجمهوريّة، أو في المحاورات، وتفهم ما تقرأ فيلذّ لك ثمّ تبدأ تساورك الشكوك؛ هل أنت حقّاً تفهم ما تقرأ، وتجد متعة فيه؟ ثمّ تبدأ تساءل نفسك؛ لماذا قالوا لك إنّ الفلسفة صعبة الفهم تستغلق على القارئ ؟ ثمّ تقرأ كتاباً لأحد الفلاسفة المعاصرين؛ فلا تفهم ما تقرأ . وتعجب أن يكون فيلسوف معاصر أصعب على الفهم من أفلاطون نفسه . وأحسب أنّ الفرق بين الاثنين يقع في باب الفرق في وضوح الرؤية . فذلك يعي ما يقول، ويقوله بكلّ تواضع، وهذا ldquo دماغه ملخبطة سمك لبن، تمر هندي ولهذا السبب نجد الكثير من الكتب المترجمة لم تقدم للقارئ اي فكرة عن العمل الاصلي والامثلة كثيرة. وقد تحدث شيشرون في القرن الاول قبل الميلاد عن نوعين من الترجمة الاولى هي الترجمة اللفظية والثانية هي ترجمة المعنى اي الترجمة الحرة لكن الترجمة الحرة لا تعني تجاهل خصوصية الالفاظ ودلالاتها ضمن سياق النص فالكلمة بحد ذاتها تعني شيء ووجودها ضمن سياق تعني شيء اخر ربما يتفق مع المعنى الاول او ينزاح الى معاني اخرى. ومن الطريف ان ماركيز حينما اطلع على الترجمة الانكليزية لروايته مائة عام من العزلة التي قام بها غريغوري راباسا قال ان هذه الترجمة افضل من الرواية الاصل . لذلك من اخطاء المترجمين انهم يترجمون الكتاب بنفس اسلوب اللغة المترجم عنها لذا تأتي الترجمة غير دقيقة او واضحة وتشوبها اخطاء كثيرة كما حدث مثلاً مع ترجمات جبرا ابراهيم جبرا وعبد القادر القط لمسرحيات شكسبير وهو الامر الذي جعل صلاح نيازي ينتقد جبرا كثيرا بسببه كما ذكر ذلك في كتابه من تقنيات التأليف والترجمة لذلك ترجم نيازي هاملت ومكبث مرة اخرى وقدم لهذه الترجمة بكلام ينتقد فيه الترجمات السابقة ويقدم تقنية جديدة للترجمة والتي نظر لها في كتبه. ولعدم قناعة سركون بولص كذلك بترجمة جبرا لسونيتات شكسبير قام بترجمتها مرة اخرى بعد ان كتب منتقداً ترجمة جبرا لها ويذكر ان عبد الواحد لؤلؤة ترجم السونيتات بعنوان الغنائيات وفي المقدمة ينتقد فيها ترجمة جبرا لها وكذلك ترجمة كمال ابو ديب. والافضل ان يقوم بالترجمة صاحب الاختصاص فمثلاً قام فؤاد زكريا بترجمة الكثير من الاعمال الفلسفية بلغة واضحة يفهمها القارئ المختص وكذلك العادي وقد سار على منهجه امام عبد الفتاح امام في مشروع قدم فيه الكثير من المؤلفات الفلسفية وراجع ترجمات غيره في جهد كبير. ومن اصعب انواع الترجمة هي ترجمة الاعمال الادبية لأن عماد هذه الاعمال هو الاستعمال الادبي للغة وتكون مهمة ترجمة الاعمال السردية اهون من الشعرية لأن الاخيرة قائمة على الاستعارات والمجاز والرمز وغيرها من البلاغات اللغوية حيث يقول الشاعر الفرنسي ايف بونفوا ترجمة الشعر مستحيلة ويذهب صامويل كولديرج بأن ترجمة الشعر هي ليست الشعر نفسه وانما فكرة عنه لذا فأن ترجمة الاعمال الشعرية لايقوم بها الا من له معرفة جذرية في فقه اللغتين وثقافتهما وكذلك فهم كبير للشعر حيث يقول الجاحظ في كتابه الحيوان : ولابد للترجمان من ان يكون بيانه في نفس الترجمة في وزن علمه في نفس المعرفة وينبغي ان يكون اعلم الناس باللغة المنقولة والمنقول اليها. ومع ذلك لاتكون الترجمة الشعرية متطابقة مع المعنى اللفظي والشعري للنص المترجم ، يقول الجاحظ الشعر لا يُستطاع أن يترجم، ولا يجوز عليه النقل، ومتى حُوِّل بَطُلَ وزنُه وذَهَبَ حُسنُهُ وسقَط موضع التعجّب فيه وهذا يصح بشكل مؤكد على الشعر العمودي والشعر التفعلي لكن يمكن ترجمة قصائد النثر لأنها وجدت اصلاً كتقليد للشعر الاجنبي. فعلى سبيل المثال نجد ان الارض اليباب قد ترجمها الكثير امثال ادونيس وتوفيق صايغ ولويس عوض ويوسف اليوسف وماهر شفيق فريد ويوسف الخال ونبيل راغب ومحمد عبد السلام رؤوف وعبد الواحد لؤلؤة وابراهيم الماس وترجمة مشتركة لعدنان خالد عبد الله وطلال عبد الرحمن اسماعيل وفي الاونة الاخيرة اصدر فاضل السلطاني ترجمة جديدة لها مع تقديم مقارنة للترجمات المختلفة وهو عمل يشبه كتاب لؤلؤة في مضمونه وسار على منهجه حيث يحاول السلطاني تقديم رؤية شاملة لهذه القصيدة المهمة في تاريخ الشعر العالمي، وقد اختلف المترجمون بعنوان القصيدة فمنهم من ترجمها الى الارض اليباب وهي الاشهر ومنهم من ترجمها الى الارض الخراب ومنهم الى ارض الضياع وفي هذا الصدد يقول لؤلؤة : إن الترجمة هي خطوة على طريق ترجمة أفضل ستأتي مستقبلا . في السرد يقع المترجمين في اخطاء عديدة منها انهم لا يعرفون بعض التراكيب والافكار التي يعرضها السارد لأنها في الغالب تخص ثقافة شعبية خاصة ومحلية او لها جذور متأصلة في التراث القديم او الاساطير او بعض الاماكن او الشخصيات التاريخية والدينية فيقوم بنقلها بعد تعريبها وليس ترجمتها اذا كانت كلمة واحدة او ينقلها حرفياً دون فهم مما يربك القارئ ويؤدي الى اما فهم خاطئ او غموض في المعنى العام لذلك فأن المترجم المحترف يقوم بشرح كثير لكل هذه الاشياء لأنه يخاطب قارئ يختلف عن قارئ العمل الاصلي، ومن امثلة الترجمات السيئة هي الترجمة الفرنسية لرواية اولاد حارتنا حيث لم يعرف المترجم الكثير من السياقات التاريخية والاجتماعية والثقافية للرواية مما جعل الترجمة تخرج بشكل سيئ جدا. ومن الغريب حقاً ان صاحب اشهر قاموس عربيانكليزي والذي قام بترجمات كثيرة وسمي بشيخ المترجمين وهو منير بعلبكي تكون ترجماته الادبية باهتة ومملة ولاروح فيها كترجمته للبؤساء او لكوخ العم توم وربما يعود ذلك الى تجربته في تحرير القاموس حيث يهتم بالمفردة والنحت. ويمكن القول ان افضل من ترجم الاعمال السردية هم معاوية عبد المجيد عن اللغة الايطالية وصالح علماني عن الاسبانية وخالد الجبيلي الذي يترجم الاعمال الادبية العالمية عن طريق ترجمتها عن الانكليزية وهم كلهم من اهل الشام وانا كقارئ اقوم بشراء أي كتاب مترجم بدون تردد اذا وجدت هذه الاسماء الثلاثة على غلاف الكتاب. ولكل مترجم طريقة في الترجمة ويمكن الاطلاع على طرق اساليب المترجمين من خلال شهاداتهم في المؤتمر الذي اقامه منتدى العلاقات العربية والدولية في الدوحة بتاريخ 26 و 27 فبراير سنة 2014 وصدرت اعمال هذا المؤتمر في كتاب بجزئين في نفس السنة. ---------------------------------- ثقافية أضيف بواسطة : zawraa المشاهدات : 1269 تاريخ الإضافة : 2021/10/13 - 5:55 PM آخر تحديث : 2024/03/21 - 2:26 PM https://alzawraapaper.comcontent.php?id=330953 ---------------------------------- جريدة الزوراء العراقية AlzawraaPaper.com