جريدة الزوراء العراقية

المثقف العراقي وسياسة التهميش


عندما يحاصر الكاتب بموجة من الخيبة والإحباط يهرع الى قلمه ليكتب عن معاناته رغم معرفته بأن ما يكتبه لا يحرك جناح بعوضة، ولا يلتفت إليه أحد، فالقوم يعيشون في عالم آخر لا يمت بصلة الى الكاتب ولا الى ما يعاني منه.
على شفتي يتمدد سؤال طالما وضعني في متاهات الحيرة والتأمل وأنا أتابع أثر المثقف والثقافة في حياة الشعوب، فالأمم تقاس بدرجة وعيها وإبداعها، والشعوب تتفاخر برموزها الثقافية، والدنيا أخذ وعطاء، إبداع متواصل، حركة ايجابية باتجاه الأمام، سعي جاد في ترسيخ القيم العليا للحياة، ولا أحد يستطيع خلق النموذج الأفضل غير المثقف المضيء والثقافة المشرقة.
الأمم تتفاخر برجالها الذين أناروا دروب المعرفة، وفتحوا للأجيال صفحة التواصل، ومع رحيلهم ظلت الشعوب وفية لهم، تقيم لهم التماثيل، وتحتفل بذكراهم، وتعقد الندوات لشرح أفكارهم، وتشجع الصغار والكبار على الاقتداء بسيرتهم، وظل المبدعون أحياء في نفوس وضمائر الشعوب، بينما لم يبق ذكر لملك أو وزير طواه الموت، وبعض الملوك تدفن ذكراهم ساعة رحيلهم عن الدنيا.. ظل شكسبير خالدا من دون أن يعرف أحد صاحب الفخامة والزعامة الذي كان يحكم في زمن شكسبير، ورحل دستوفسكي عن الدنيا لكنه لم يرحل من نفوس عشاق الأدب والإبداع، وأخذ الموت أرواح المبدعين لكنه لم يستطع أخذ أقلامهم، وظلت الدنيا تردد إبداعهم.
كل الدول تحترم مثقفيها إلا نحن، وكل المبدعين ينالون الاحترام والتقدير من حكوماتهم إلا نحن، فالمبدع في وطني أما أن يأكل من فضلات الخليفة ويعيش مترفا بعدما يغادره الإبداع الحقيقي، أو يعيش في دائرة الإهمال والتهميش من دون أن يلتفت إليه أحد.
إنها محنة المثقف عندما يجد في بلد الغربة من يحتضنه ويرعاه، ولا يجد هذه الرعاية في بلده، إنها فجيعة الإبداع عندما يجد نفسه خارجا عن دائرة الاهتمام والرعاية، إنها كارثة القلم عندما ينزف تألقا، ويموت صاحبه ولا أحد يهتم به.
الحياة الحرة الكريمة قائمة على عطاء المبدعين الصادقين، والتقدم في كل مجالات الحياة لا يتحقق إلا بالعقول المضاءة بوهج المعرفة.
هيبة الدولة تتحقق من هيبة مبدعيها، والنخب الواعية المثقفة وحدها القادرة على خلق التغيير المطلوب، والبلد الذي يفرط بمبدعيه لا يمكن له من الوقوف على قدميه وسط البلدان التي ترعى العلوم والفنون والآداب.
ما زال السؤال يكبر على شفاهنا، ونحن نرى هذا التهميش للمبدع العراقي، وما زال السؤال حزينا ونحن نرى أن المبدعين العراقيين يتمتعون بالاحترام والتقدير خارج بلدانهم.
إلى اللقاء...
 


المشاهدات 1391
تاريخ الإضافة 2021/09/15 - 7:09 PM
آخر تحديث 2024/03/25 - 2:03 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com