رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
(بئر برهوت..القط عنتر وقصة الزرازير أنموذجا..)


المشاهدات 1076
تاريخ الإضافة 2021/09/14 - 6:12 PM
آخر تحديث 2024/02/26 - 2:07 AM

جمال نوري
إختار القاص جابر محمد جابر عنوان إحدى قصصه عنواناً مركزياً لمجموعته مع أن القصة لا تنطوي على ما يلفت أو يشير إلى رمزية أو قصدية ما، والقصة بحد ذاتها محض خبر حيث يكلف رئيس التحرير أحد محرريه بالكتابة عن هذا البئر وأعطى بعض التفاصيل البسيطة عن البئر ومواصفاته وأبعاده.. كتابة القصة القصيرة جداً تستدعي جهداً استثنائياً ومضاعفاً لكي يستطيع القاص أن يمتلك أدواته ويتقن الوسائل الفنية التي ستعطيه بالنتيجة قصة ناجحة، وهذا لا يعني أنني لم أتوقف عند العديد من قصص المجموعة التي سجلت قدراً محسوباً من النجاح والابداع ولم أرغب في تشتيت قراءتي على الكثير من النماذج ولكنني اخترت قصة واحدة لأنطلق في قراءة تقاناتها وفكرتها ولغتها ومما سجلته في مطالعة القصص توظيف اللغة الشعرية التي قد تخدم خيط السرد أو تربكه مثلما يفعل الوصف أحياناً حين يرهل النص ويفقده وحدته الموضوعية.. كتابة هذا اللون السردي تستدعي توظيف لغة مكثفة تميل إلى الاقتصاد في صياغة العبارة والتخلص من الزوائد والتفاصيل المقحمة قسراً، ولهذا حسب أجد أن مهمة كاتب هذا اللون السردي مهمة شاقة جداً وقد يستسهل بعض الكتاب كتابتها معتقدين أنها محض أسطر قليلة لا غير، والأمر يختلف كثيراً، إذ أن القصة القصيرة الناجحة تصدر من عقل ووعي مختلف ومغاير وإلاّ ما الجدوى من كتابة واجترار قصص ظلت الأقلام تلوكها..
في  قصة القط عنتر وقصة الزرازير كشف العنوان عن مجريات الحدث مسبقاً وذلك عبر علاقة الطيور بالقط الشره الذي ينتظر وجبة دسمة من طيور تنتظر من يحررها ويطلقها إلى الفضاء.. إن المتعة المكتسبة من تحرير الانسان لأي مخلوق من هيمنة وسلطة الظالم يعد أمراً باعثاً على الراحة لهؤلاء الذين يمارسون هذا الطقس الاحتفالي والاستعراضي أمام الآخرين وهم بذلك يشيرون الى حجم الاستلاب والجور الذي يتعرضون له، وقد تعد هذه اللعبة متنفساً لهم لكي يتحرروا من ضغط الواقع وكوابيسه.. يختار القاص بذكاء مكاناً يضج بالحركة الدائبة للباعة والعمال والطلبة والسيدات والموظفات، وهو بهذا اختار دون قصدية شرائح مختلفة تتعرض إلى التهميش والاقصاء ضمن مسيرة الحياة اليومية المتأزمة.. طلبة تطاردهم شتى انواع الكبوات، سيدات مهمومات مثقلات بمتطلبات الحياة القاسية ينشدن الخلاص.. وفي نهاية القصة اجترح القاص المفارقة الأخيرة التي نجحت في صنع الصدمة وأحالت أفكارنا إلى عنتر الذي لم يكن إلاّ محض قط مترف يعيش في بحبوحة في كنف سيده الذي يشتري الزرازير بكميات كبيرة والاشارة  هنا واضحة وجلية وهي تشي بحجم البؤس الذي نعيشه ونتضور وجعاً من تفاصيله وأبعاده. وربما أتقن القاص توظيف المكان وتفعيله ضمن سياق السرد.. ثمة مكان واسع ورحب يضج بالأصوات ودبيب الحياة المتواصلة بديناميكية متصاعدة يقابلها رجل خمسيني يمتطي سيارة فارهة.. يركنها ويشتري بمبلغ لا يستهان به عشرات الزرازير التي أودعها صندوقا بلاستيكياً لتتحول إلى مائدة يومية دسمة للهر عنتر.. الصندوق الذي يحبس الطيور ومن ثم السيارة التي هي أشبه بعلبة.. اشتغل القاص بذكاء على معطيات المكان واستطاع أن يوظفه بطريقة لافته بحيث أن المكان نفسه ارتقى إلى مستوى الايحاء والتشفير لكي يختم القصة بسلطة المفارقة التي تبتكر دلالات أوسع وأرصن في بناء قصة جابر محمد جابر التي يبذل في تقديمها جهداً رائعاً وهو يستقرئ ويحلل ويستشرف ويقتنص المفارقة وشعريتها في ابتكار الدهشة الدائمة...
 


تابعنا على
تصميم وتطوير