رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
الإرهاب وجذره الديني عباس علي العلي


المشاهدات 1602
تاريخ الإضافة 2021/08/24 - 6:12 PM
آخر تحديث 2024/03/28 - 9:04 AM

    لاشك أن الكثير من الناس من يربط فكرة الإرهاب بمجرد سماع الكلمة بالدين وكأن المسألة أن الدلالة الذهنية بين الإرهاب وأثرها النفسي لا تنصرف إلى لمحدود تكويني هو الدين والعقيدة ، هذا الترابط نشأ خاصة في المجتمعات التي عانت من التطرف والعدائية ومنهج القتل والتخريب المتعمد والمنظم بأسباب في الغالب مع شيوع الكلمة في القاموس اليومي المتداول وخرجت بذلك من إطارها الحقيقي لتلتصق بفعل حث فعلي على أن يكون المنصرف اللا شعوري لمفهوم الإرهاب هنا في دائرة المرتهن العقائدي ،لنصل بالأخر أن الدين ليس فقط أفيون للشعوب بل فيروس قاتل السلام والحياة الذي لا بد من العمل على مكافحته واجتثاثه من الوجود إذ أردنا أن نعيش للحياة كما ينبغي .
    في مضمون الرأي الشخصي هناك وهم وإيهام وخلط وتدليس في موضوعية الإرهاب منذ اللحظة التي جرت فيها التسمية ولاحقا العمل على شيوع الدلالة وزرع فكرة المعنى الانصرافي دون أن نعترض حتى على ما يسوق إلينا على أنه كل الحقيقة ، الإرهاب لغة ومفهوما دينيا ورد في القرآن الكريم في آية وأعدوا لم ولن يدل بصورة أو أخرى على ما يشاع من ظاهرة وسلوك غير سوي ومنحرف ومدمر من أشكال الممارسة التي تخرج الإنسان الطبيعي من دائرة السوية والاعتدال إلى دائرة فعل التوحش والحيوانية السبعية الهمجية ، الإرهاب من خلال القراءة العلمية والعملية القصدية التي جاءت في سياق تدبير استباقي ذكرته الآية يتعلق بما يسمى اليوم بالتدابير الاحترازية الردعية التي تسبق الفعل العملي في المواجهة ولا تتعدى في أثرها النفسي معنى الخوف الرادع من حصول المواجهة ، فالدلالة لا تعني القتل والتخريب والصدام بل هي وسيلة نفسية ذهنية مانعة ورادعة من حصول ذلك ،والدليل تكملة السياق الإقرائي القصدي في نتيجة هذا الترهيب ومع استخدام مشتقات الفعل رهب الواردة في الكتاب المجيد مثل الرهبة والرغبة في العبادة .
    لقد عالج القرآن الكريم موضوع المواجهة مع العدو والذي من المفترض وحسب السياقات القرآنية التي يؤكد عليها في تعريف العدو والتي تنحصر في كل شخص أو فكر أو محاولة ما تهدف إلى إلغاء خيار الإنسان في أن تكون له عقيدة ما ودين ما ، على أن احترام هذا الخيار مرتبط بالسلام وبالتالي الدفاع عن السلام هو بتوفير عنصر الحماية له من عبث الإنسان حينما يقرر أن يكون عدوا له ، عدوا يسعى إلى نسف العلاقة الطبيعية التي يجب أن تحكم وتنظم الوجود الإنساني في الواقع الوجودي بقاعدتي لكم دينكم ولي دين وقاعدة لا ضرر ولا ضرار ، إن تفعيل هاتين القاعدتين لا تخرج أبدا عن سعي المجتمعات المعاصرة اليوم والتي تعي أهمية القوة في حفظ التوازن الرادع من انتهاك قانون السلام العالمي ومنهج معتمد ومتعاظم تدركه العقول وتسعى لتثبيت أركانه وهو واحدا من أهم وسائل حفظ الأمن والعيش على الكرة الأرضية ،فلماذا يستنكر الإنسان العاقل سعي القرآن على وضع قواعد لحماية عنصر السلام بالقوة دون أن يسمح أيضا وبشدة باستخدام القوة ذاتها كحامية السلام للاعتداء على الاخر بنص واضح وصريح ومباشر وحدي (لا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين )وأعتدوا عليهم بمثل ما أعتدوا عليكم)ومحذرا من الطغيان والتمرد على فرض السلام والأمن الكوني .
    هنا يخرج مفهوم الإرهاب الذي استخدم كثيرا وطويلا على أنه الرديف أو البديل لمعنى الإفساد في الأرض وهي الدلالة المعنوية الأكثر شمولا وتغطية واستيعاب لكل أوجه العنف والموت والقتل والتدمير والتخريب وضرب المجتمع في صميم حركته التوازنية التي ينتج منها ومن خلالها كل الانحراف والتطرف المتبادل الذي يعصف وعصف وحطم حلم الإنسان بتعمير الأرض واستعمارها وإشاعة مفهوم التعارف وتبادل الفرص في مسعى مشترك وتكاملي حقيقي يهدف لبلوغ الكمالات البشرية سواء بالعلم والمعرفة أو النظم الأخلاقية والحضارية التي تقود للتحولات الإيجابية الكبرى التي أرادها الله أن تكون من خلال حركة الدين بين الإنسان والإنسان على قاعدة المعيار الأساسي وهو الخيرية والأحسنية والفوز بالسعادة التي هي هدف وغائية كل التنظيمات والأفكار والرؤى البشرية منذ بدء الخليقة ولليوم .
    وعودة لمفهوم الإرهاب كمصطلح وليس كدلالة والتي يجب العمل على إشاعة المفهوم الحقيقي له وهو الفساد والإفساد الممنهج والمنظم والذي هو في الواقع ليس فقط ظاهرة ناشئة عن قراءة ما لفكر ما وبالتالي محاربة هذا الفكر هو السبيل الأمثل لمكافحة الإرهاب ،أولا ما يعرف اليوم بظاهرة الإرهاب هو بالأساس نتاج سلوك إنساني بامتياز ناشئ عن وعي حقيقي يبدو للقارئ أنه وعي مراد ومختار وليس كما يصرح الكثيرون أنه استجابة لرغبات خارج مدركات الوعي الطبيعي الإنساني من خلال ما يعرف بغسل الأدمغة مثلا وباستخدام عقاقير وأدوية تثبط عمل الوعي المراد ، قد تكون هذه واحدة من وسائل عدة ترتبط بالمنفذ ولكنها لا ترتبط بالمنشئ والمصدر للظاهرة والمخطط لها والمسوق ،وحتى غالب المنفذين لهذا السلوك عندما يبدأ في الافتنان الأولي بفكر التطرف والانسياق وراء دعاياته تحت تأثيرات جملة كبيرة من الأسباب والعلل لا يغيب الوعي المراد عن الحضور والفعل ،إن الدوافع العقلية ربما هي التي تحفز الدوافع النفسية الأنانية لتنساق نحو الانغماس بشكل متطرف في قراءة أو إيمان بقراءة ما ليتحول فيها الإنسان من كائن مدافع عن الوجود إلى كائن مفسد وهدام .
    كانت الفكرة الأولى والأساسية لمن زرع بذرة الفساد والإفساد هي استغلال الميول النفسية وعمد على إثارة نوازع القوة النفسية الحسية وصولا للتأثير على وعي الأنا الذاتية وتضخيمها ودفعها باتجاه قرار أصيل وشخصي وهو الاعتزاز بفكرة الأنا السوبر ، الأنا التي هي الحق وغيرها الباطل ، لذا ركز إبليس مثلا في الرواية الدينية على هذا الوعي المصنع والمدفوع له مرتين مرة من خلال المقارنة بين النار والطين ومرة من خلال نصيحته لآدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى ، لقد خاطب الغريزة النفسية التي تعظم الشعور بالنشوة والانتصار ،شعور الأنا أنها أكتشف الحقيقة الكاملة والتي أراد الله تغييبها لسبب أو لعلة ما ، هنا الانتصار معنون للبشر ضد الله ، للحق الذي يمثله إبليس وللباطل الذي يمثله الله حين منع عن آدم شجرة الخلد .
    المنظمة الإرهابية الإفسادية اليوم تشتغل على فعل العامل النفسي وتثيره الحاد والانفعالي على قوة الأنا المتضخمة ،الأنا التي حدودها أن تكون مميزة ومتفوقة وصاحبة الحق المطلق والتي يجب أن تبقى استنادا لقانون البقاء لمن بيده الحق ،وعلى غيرها أما الخضوع لحق الأنا والاضمحلال فيها أو الفناء ، لا خيار ثالث بين الذوبان أو الفناء ، لا خيار أمام (لكم دينكم ولي دين) ، لا خيار أمام الإنسان أخو الإنسان له ما له وعليه ما عليه ، (أما أخ لك في الدين الذي ذكرته توا أو نظيرا لك في الخلق الذي يعني أنكم كلكم من آدم وآدم من تراب) وأما موضوعية الحق وامتلاكه هي في الحقيقة مجرد وهم لأن الحق كمفهوم منطقي لا يمكن لأحد (لا) استيعاب مفهومه و(لا) الإحاطة بحدوده ، لذا نقول دائما أن الحق مفهوم مساوي للعدم الذي ليس كمثله شيء وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر .
    هل بعد هذا التقديم يمكن ربط الإفساد بالدين مع موقف واضح وصريح ومحدد مؤشر ومعلل ورد في كل النصوص المتعلقة براهنية المعنى سواء بالقصد أو بالنتيجة ،الدين عموما وحتى ما يطلق عليه اليوم جزافا الأديان الوضعية والتي هي بالأصل أما تراث أديان سماوية أو تراكمات لنظريات أخلاقية سامية سعت لتنظيم حياة الإنسان ومنهجه وجوده على قاعدة الأحسن والأجمل والأكمل والأخير ، حتى على هذا المستوى من البناء الفكري استهدفت الأديان إعادة نمذجة السلوك الإنساني باستخدام مناهج وأساليب ما يعرف اليوم بتعديل وتصحيح السلوك مستعينا بمفاهيم الجمال والحب والسلام والخير وإلخ من المحبذات والمحسنات الأخلاقية كقيم مثالية لا بد من حسم خيار الإنسان الفرد والإنسان مجتمع نحوها وبكل قوة .
    السؤال المطروح اليوم وعلى سبيل المقارنة العملية لماذا يتم التركيز مثلا في وسائل الإعلام على الربط بين الإرهاب ( الفساد والإفساد ) وبين الدين من خلال رفع شعار الإرهاب لا دين له ؟ ، هل المراد أن يبقى هذا الربط الذهني حاضرا على الدوام في الواقع الإدراكي ليتم في مرحلة لاحقة إلى طرح فكرة أكثر جرأة وأشد قسوة على الإنسان ذلك الكائن الطبيعي الذي يكون فيه الدين جزء من توازنه الفطري لنقول له وبصراحة وخلافا للفطرة أن فكرة الدين تعني الفناء ، وأن الجانب الروحي من تكييفه وتكوينه هو المسئول الأول عن دمار الجانب المادي في وجوده وعليه أن يختار ما بين الفناء والحياة .
    خيار بين المادية بكل ما تعني من تجرد عن قيم أساسية يكتنزها الإنسان كي يكون قادرا على مواجهة جفاف الحياة وقسوة الواقع المادي وبين أن يكون عنصرا منبوذا ومحاربا ومقهورا ومسلوبا لحقه الطبيعي أن يكون إنسانا كاملا نسبيا وطبيعيا في مدار الإنسانية المطلقة ، أليس هو هذا هو عين الفساد كظاهرة ومفهوم مدان ومحارب ،إذن لا نستغرب الغاية الأساسية من ربط الدين والعقيدة بما يسمى إرهابا ضد الأخر وهو بالنتيجة مساوي من حيث الغائية بذات الهدف الذي يدعون لمحاربته ، وهذا لا يعني إيمانا بنظرية المؤامرة بقدر ما هو قصور في توقع النتيجة أو تعمد أن لا نطرح رؤية أعمق وأشمل في المعالجة .


تابعنا على
تصميم وتطوير