رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
التصوف البغدادي في مناظرة عام 1945


المشاهدات 1331
تاريخ الإضافة 2021/06/13 - 6:26 PM
آخر تحديث 2024/04/12 - 6:26 AM

شهدت بغداد عام 1945 مناظرة مشهورة بين زميلي الدراسة في مدرسة مرجان ببغداد شيخ المستشرقين الفرنسي لويس ماسينيون وبين المحامي عباس العزاوي، وموضوعها التصوف البغدادي.. نعم هذا ما حصل بين شيخ المستشرقين الاوروبيين المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون الذي اضاف كلمة (عبده) قبل اسمه بعد ان عمل ختماً بذلك سنة  ١٩٠٨ وارتضى ان يسمى (عبده) منذ تلك السنة، حيث ذهب مع العزاوي عندما كان الاثنان طالبين في مدرسة مرجان المجاورة للشورجة في شارع الرشيد، تلك المدرسة التي بناها الخواجة مرجان الرومي الذي حكم بغداد في العهد الجلائري سنة ١٣٧٣م، إذ بدأت علاقة ماسينيون ببغداد وعشقه لها، ووصفه (الحلاج) الشيخ الصوفي الذي تم اعدامه بسبب افكاره الصوفية زمن خلافة المقتدر العباسي عام ٣٠٩ هـ سنة ٩٣١ م بالطريقة المعروفة بالضرب الف سوط ثم قطع اليد اليمنى ثم الرجل اليسرى ثم اليد اليسرى ثم الرجل اليمنى ثم قطع الرأس ثم حرق الاشلاء وذر الرماد المتخلف بعد الحرق في مياه نهر دجلة من شمال بغداد الى جنوبها، حيث في سنة ١٩٠٨ وعندما ارتدى ماسينيون زي طلبة العلم البغداديين المعروف في تلك الفترة ومعه عباس العزاوي عندما كان طالباً ايضاً في مدرسة مرجان زمن والي بغداد العثماني نجم الدين بن علي طيفور، بصحبة مدرسين في هذه المدرسة هما القاضي علي علاء الدين الالوسي والعلامة محمود شكري الالوسي، وذهب الاربعة الى مدينة الكاظمية لعمل ختم الى ماسينيون، ويذكر المحامي عباس العزاوي ان قاضي بغداد علي علاء الدين الآلوسي كتب بخط يده عنوان هذا الختم وهو(عبده لويز ماسينيون) وأرخه ١٣٢٦ هـ ١٩٠٨ م، وحفر الختم الحكاك السيد محمد تقي بهيمني في الكاظمية، وان قد تم نشر احدى رسائل ماسينيون الى العلامة محمود شكري الالوسي مؤرخة في ١٩١١/٩/١٩، يقول فيها: (الى شيخنا الأفخم الصديق الكريم السيد محمود شكري الآلوسي سلمه الله تعالى...)، وكانت الرسالة مختومة باسم (الفقير لله سبحانه لويز ماسينيون)، إذ كان ماسينيون ينتظر من الالوسي اخبار الحلاج وما تم العثور عليه، وفي رسالة ماسينيون المؤرخة في١٩١١/٧/٢٢، يقول: (الى استاذنا الأفضل الكريم الافخم سلمه الله تعالى)، وتحدث في الرسالة عن قضايا فكرية ومصادر ومراجع ومخطوطات حول الحلاج بعضها صحيح النسبة وبعضها الاخر ليس بصحيح، ثم يطلب معلومات عن مخطوطة (السراج الوهاب في شرح كلمات الحلاج)، ثم يختم الرسالة بختم (عبده لويز ماسينيون)، و(تلميذكم عبده لويز ماسينيون).)
وفي المدرسة المرجانية ببغداد نشرت المصادر تحت عنوان (المستشرق ماسينيون في لباس الشيوخ) أيام تلمذته على الاستاذ (القاضي) علي علاء الدين الآلوسي، ذلك ان علاقة ماسينيون ببغداد تعود الى سنة ١٩٠٧ م، حين ورد اليها مع بعثة آثارية فرنسية، وعاد مرة اخرى الى بغداد سنة ١٩٠٨ ليتولى تصوير قبر الحلاج وهو قبر رمزي ما زال قائماً في محلة المنصورية نسبة الى اسمه (منصور الحلاج) مجاور مستشفى الكرامة الحالي غير بعيد عن مقبرة الشيخ معروف الكرخي، وبعدها كتب ماسينيون عبارة الحلاج المشهورة (أنا الحق)، حيث ألقى بحثاً في مؤتمر المستشرقين في أثينا سنة ١٩١٢ ونشر ديوان الحلاج وكتابه (الطواسين) واخباره والنصوص التي دارت حوله، وتوج ماسينيون كل ذلك بأطروحته للدكتوراه عنواناً (عذاب الحلاج)، فنبه ماسينيون الأدباء والشعراء والباحثين في الشرق والغرب الى هذه الاهمية الادبية والتاريخية والفكرية، ذلك ان علاقة ماسينيون في سنة ١٩٠٨ اتخذت سمة جديدة تمثلت بلقاء ماسينيون بالالوسيين في مدرسة جامع مرجان ببغداد بحضور عباس العزاوي الذي كان تلميذاً للقاضي علي الآلوسي في المدرسة، وربما اعلن ماسينيون اسلامه على طريقة الحلاج وتعززت علاقة ماسينيون بالآباء الكرمليين عامة، وبالأب ماري الكرملي بخاصة، واستمرت هذه العلاقة طوال اربعة عقود.. وتكاد تكون علاقة ماسينيون بالعزاوي من أوضح العلاقات بين ماسينيون وشخصيات بغدادية في النصف الاول من القرن العشرين، إذ كان العزاوي صلة الوصل التي تربط ماسينيون ببغداد، وهنالك الكثير من المراسلات بينهما والعزاوي، وان كان في مناظرته بالكنيسة مع ماسينيون اثناء زيارته لبغداد سنة ١٩٤٥ على الرغم من ان العزاوي قد تشبع بأفكار ابن تيمية المعادي للفكر الصوفي والحلاج ولكن العزاوي يحترم ماسينيون ويقدر غايته العلمية، لكن ذلك لم يثنِ العزاوي عن الدفاع عن العباسيين والقضاة الذين حاكموا الحلاج، ومن نفذ حكم الموت، بل ان العزاوي يرى ان القائلين بالحلول والاتحاد من الصوفيين خارج دائرة الاسلام، في حين ان ماسينيون يرى ان الحلاج من اهل التوحيد، فيعترض عليه العزاوي وينسبه الى وحدة الوجود، ويرى العزاوي ان ذم غلاة الصوفية امر متفق عليه عند المسلمين، وبعدها حصل النقاش بينهما عن صحة الكتب التي تنسب الى ماسينيون، وفي ذلك يوضح ماسينيون تقديره لرأي ووثائق العزاوي ويأخذ أخيراً ماسينيون برأي المعتدلين من صوفية المدرسة البغدادية كالجنيد، ويقرر ان الحلاج أخذ بوحدة الوجود وليس وحدة الشهود التي تقترب من الاتحاد والحلول بين الصوفي وربه.


تابعنا على
تصميم وتطوير