جريدة الزوراء العراقية

الهودج.... حكاية لها العجب


د.محمد فتحي عبدالعال
دائما ما تحمل لنا كتب التراث في بطونها قصص وحكايات لها العجب من فرط ما تنقله من حوادث وصراعات تفوق الخيال إثارة ومنها حكايتنا في هذه الحلقة ذلك أن الخليفة الفاطمي الآمر بأحكام الله الذي تولى الحكم في الخامسة من عمره كان يعشق الجواري العربيات البدويات ويجد في طلبهن ويرسل عيونه للبحث عنهن بين خيام القبائل العربية فإذا وقعت البدوية في حبه زهدها وانصرف يبحث عن أخرى وهكذا  وذات مرة تنامى إلى سمعه أن شاعرة بدوية فائقة الجمال تدعى العالية  تقطن بالصعيد فذهب لحيها متخفيا في زي الأعراب حتى يستجلي أمرها عن كثب فلما وقع بصره عليها ملك حبها  قلبه فلما رجع لقصره بالقاهرة أرسل إلى أهلها يطلب الزواج منها فوافقوا وأرغموها على القبول فأحاطها بعنايته وحبه واهتمامه وصار اسعادها شغله الشاغل لكن مع الوقت تململت البدوية من عيشة القصور الناعمة التي لم تألفها  فقرر الآمر أن يبني لها  بجوار بستان   جزيرة الروضة (تشغله الآن مستشفى وكلية طب القصر العيني وكلية طب الأسنان) بناء على شكل هودج وتفنن في تزيينه وزخرفته حتى يحاكي بيئتها الأولى ولهذا سمي  بالهودج.
لكن الواضح أن ما هيأه الآمر لم يصرف خاطرها عن الحنين للماضي كما لم يملك الآمر فؤادها بعد كل هذا البذل والعطاء فبدأت ترسل شعرا لابن عمها وحبيبها الأول ابن مياح قائلة : «يا ابن مياح إليك المشتكى مالك من بعدكم قد ملكا» . فرد عليها بقوله :»بنت عمي والتي غذيتها بالهوى حتى علا واحتبكا»  فلما بلغ الآمر هذه الأشعار الغرامية طارد ابن مياح وأطلق جواسيسه للبحث عنه في كل مكان وأصبحت القصة حديث المجالس الشعبية والأسمار ..
وقد تسللت هذه القصة إلى الأمثال فيقول العرب :» ما أخسر صفقة طراد“ وطراد بن مهلهل هذا شاعر من بني طيء  لما عرف بقصة الحبيبين انشد قائلا مخاطبا الآمر : 
« قطعت الأليفين عن ألفة ... بها سمر الحي بين الرجال
كذا كان آباؤك الأكرمون؟ ... سألت فقل لي جواب السؤال“
فتوعده الآمر بقطع لسانه وأطلق اتباعه للقبض عليه دون جدوى. 
بالطبع لنا أن نتخيل ما كانت عليه مصر في هذا الوقت من أوضاع والخليفة جل اهتمامه بين ارضاء الحبيبة ومطاردة العشيق والمتهكمين عليه أيضا   فأصبحت الدولة المصرية بلا قيادة تقريبا وسقطت أملاكها في الشام في قبضة الفرنج. 
دفع الآمر ثمن حبه غاليا أيضا كما دفعته مصر ففي أحد الأيام وهو في طريقه للهودج ظفر به مجموعة من النزارية ( الشيعة الباطنية) وقتلوه وحمل إلى قصر البدوية مضرجا في دمائه لتلقي عليه نظرة الوداع الأخير. 
في عهد الدولة الأيوبية وتحديدا في عهد الملك الصالح نجم الدين أيوب تم إزالة الهودج ( يشغل اليوم المنطقة التي تقع مواجهة لكوبري الملك الصالح وإلى الجنوب منه بقليل) فضلا عن البستان وهدم ثلاثة وثلاثين مسجدا ليقيم قلعته التي عرفت بقلعة الروضة أو القلعة الصالحية. 
المراجع والمصادر 
1-المواعظ والاعتبار للمقريزي 
2-متنزهات القاهرة في العصرين المملوكي والعثماني لمحمد الششتاوي. 
3-تاريخ وآثار مصر الإسلامية - الهيئة العامة للاستعلامات 1973.


المشاهدات 1326
تاريخ الإضافة 2021/06/09 - 5:10 PM
آخر تحديث 2024/04/15 - 2:49 AM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com