جريدة الزوراء العراقية

الروائي احمد خلف يقدم: شخصيات من مفاسد الواقع في رواية (البهلوان)


بغداد – حمدي العطار
في أعمال احمد خلف الروائية والقصصية هناك تقنيات حديثة وما بعد الحداثة في استخدامات الاستذكارية والسردية الكاشفة والمجابهة، هو يقدم مائدة حافلة وغنية للتعبير عن العلاقات المتداخلة بين شخصياته الروائية والقصصية كجزء من الشخصيات الواقعية ، في روايته الجديدة (البهلوان)الصادرة من دار النخبة للطباعة والنشر والتوزيع سنة الاصدار 2021 وتقع في 279 صفحة ، يحاول الروائي استظهار العلل التي ينتج عنها (الفساد) والاسباب الخبيثة المنتجة ، هي رواية تدور حول قضايا الفساد في مجال خدمات البلدية (الشوارع والجسور) وهي من الامور التي يعاني منها كل مواطن عراقي وتتوهج في داخله معاناة وطرح مثل هذا الموضوع في رواية ليس سهلا! فيحاول الروائي احمد خلف ان يخلق (عالم متكامل) ليكون صادقا في التعبير عن البيئة العراقية التي اصبحت لا تنظر الى الفساد كظاهرة معيبة بل ان الكثير من المجتمع  اصبح ينظر الى كسب المال (الحرام) او (غير المشروع) نوعا من الشطارة والذكاء ، ومن هذا المدخل كان عنوان الرواية (البهلوان)!!
“ تقول بلقيس الزوجة الثانية للمقاول (طه جواد) – لم تعد سيارة “الأوبل” القديمة هذه تليق بك، هل تفهمني؟ - هل تريدنني أسرق؟ حركت كتفيها بتدلل: - نعم إذا كنت تحب زوجتك حبيبتك، لا ترضيني إلا بصعودك سيارة “جكسارة”يحدث طه نفسه”جكسارة ؟ اي مجنونة هذه المرأة! كيف الحصول على سيارة غالية الثمن كهذه؟ ما معنى أن تسرق نزولا عند رغبة زوجتك الجميلة؟.”ص62
*مستويات السرد
يجعلك احمد خلف  تعيش في عالم الرواية وكأنك تعيش الواقع نفسه، فهو يوضح قبل بداية الرواية  هدفه السردي “ستظهر لديك رواية جيدة، هذا يعني أن بناءك للمدينة جاء ممتازا، وهي قابلة للعيش، بل يمكن أن تكون مفخرة لك ولكل من يتابعك بإصرار، ومحبة، واحترام، واهتمام بما تكتب، إذ كل شيء شيدته في روايتك- أعني مدينتك- جاء صالحا لتعيش في حياة مرتجاة”ص5.
هو يجعل شخصياته (طه وبلقيس وام غايب و السائق مراد والاسطى محمود، وسالم عمران) كأنك تعرفهم وتعيش معهم ومع هموهم العاطفية والاجتماعية ( هل نتبع خطة في رواية ما نجدها مقنعة لمن تقع بين يديه قصتنا هذه؟ نحن نروي ما شاهدناه ذات يوم لما ذهبت بطلتنا بنفسها إلى غرفة (طه) قبل منتصف الليل؟) بهذا التداخل بين ثنايا السرد يخلق لنا احمد خلف سردية تثير الفضول! (نحن بدورنا لا نملك الحق في الزيادة أو النقصان في سرد ما نعرفه من أحداث مأسوية، أو أي نوع من كلام، إنما نحن شهود على ما حدث وما جرى من أفعال قام بها نفر من الذين تعرفنا على أفعالهم، وكان بعضهم قد غامر في العديد من تصرفاته تجاه المال العام)ص65 هكذا نجد الروائي وكأنه شخصية من شخصيات الرواية بينما نجد تداول مهمة السرد بين الشخصيات وكأنها هي التي تمثل الواقع وليس شخصيات روائية، مثلا سرقة طه لقرص  الخبز( كأنه قرص الشمس)  من بيت شيخ العشيرة بسبب الجوع والعقوبة التي تنتظره (قطع اليد) هي السبب في هروبه من قريته الى العاصمة بغداد ، ليصبح متشردا ثم عاملا للبناء ثم بائعا للملابس ومنها الطفرة النوعية ليكون مقاولا و (بهلوان)! “هو يعلم أنه يكذب لكنه ذلك الكذب الذي يرى فيه أمرا ضروريا جدا وسط فوضى عارمة تجتاح البلاد من الأكاذيب والغش، وكذلك التحايل والتزوير( أصبح يؤمن بضرورة الغش والخداع، بل والتزوير وما يسمى بالعمال الفضائيين)ص68 
الجنس العنيف
النساء في الرواية تلعب دورا مؤثرا في امزجة الشخصيات الرجالية، واذا كان طه له بلقيس وام غايب ليمارس حقه الشرعي في الجنس العنيف فهناك نوعا من الحرمان قد يدفع ام غايب تفكر بخيانة طه مع السائق مراد  لزواجه من بلقيس وتكون عنده المفضلة  “جعلتها تغوص اسفل جسدي الممتلئ وعضلاته المفتولة، وضعت صدري على صدرها، بدأت تتنفس بصعوبة، زدت من ضغط جسدي على صدرها حتى خمدت الأنفاس المتباطئة، أصغي إليها ترفس تحتي، اضطرت إلى أن تجاريني لثلا انهض غاضبا منها إذا ما رفضت طريقتي في الممارسة”ص61 الروائي احمد خلف قادر عن التعبير عن الهموم الاجتماعية من خلال التجربة الذاتية لشخصياته الروائية 
السرد المفتوح
طالما ان الواقع الذي يتناوله الروائي (أحمد خلف) في رواية “البهلوان”  متزعزع وغير متماسك فهو مضطر ان يستخدم (السرد المفتوح) ولم يعد (السرد المغلق) او الحكايات المغلقة في المشهد السردي تتلائم مع هكذا نوع من الروايات “ما بعد الحداثة” ، فحينما يريد الروائي -السارد -  ان يتناول شخصية “سالم علوان” التي  تعد الشخصية الثالثة في الرواية يقول” يصبح من الواضح لنا لو دققنا في وجهه سوف نجده غاضبا، بل رافضا لكل ما يجري له ومن حوله لكننا لن نفعل ذلك، لأنه ليس هو بطل روايتنا هذه بل (طه) هو البطل، الذي اطلق عليه أسطه (محمود) بطل مزيف  وبهلوان”ص116 ، بمقدور القارئ ان يتلمس من هذه العبارة وغيرها تعبر عن مزاجية الروائي في السرد ولعبة المخاتله التي يستمتع بها الروائي والتي يلجأ اليها عندما يخشى تشعب السرد المفتوح ، وحينما يتناول شخصية بلقيس الشخصية النسائية الثانية بعد الزوجة الاولى (أم غايب) يقول “ونحن بدورنا نرعى تلك الحالة الذاتية لبلقيس، وكم أردنا لها أن تأخذ وضعا أفضل بتقسيم الصفحات من عملنا هذا، لكشف المخفي والمستور في حياة الأبطال، إلا أن حياة بلقيس بدت لنا مرتبطة بآخرين يحركونها في الخفاء وهي راضية”ص126 
*المقروء وغير المقروء
القارئ في هذه الرواية عليه ان لا يكون مستسلما لما يطرحه الروائي لأنه قد يصاب بالمفاجأة او الصدمة حينما يضيف الروائي شيئا مخفيا او مناقضا لما تم سرده في الجزء المقروء من الرواية ، فبعد ان يتصور القارئ ان شخصية (طه جواد) قد هربت من القرية الى بغداد لأنه كان جائعا وقام بسرقة قرص الخبز من بيت الشيخ ، يكتشف شيئا جديدا  ينقلب  فيه منظوره عن الشخصية والنص” الحق أن ما هزمني من قريتي ليس رغيف الخبز الذي سرقته من بيت الشيخ... الحادث الجلل كما يقال هو أن أحد أولاد الشيخ كان قد حمل تحت إبطه صورة حديثة لأبيه، وراح يعرضها علينا، لكني بدلا من الامعان بالصورة، أمسكت صورة الشيخ ورميتها إلى الارض وقد تهشم زجاجها..سيفرح هذا الذي أقوله لآن الكثير من الكتبة وبعض النقاد، في أن الحكاية اتضحت مراميها وأبعادها العسيرة على الفهم البسيط وغير المعني بالحكايات”ص172 
*القراءة والاستبطان
علينا ان نستعين بنظرية (فونتاي)  للقراءة ونحن ندرس هذه الرواية نقديا والتي تشكل تحدي للقارئ والناقد ، فهذه النظرية توضح العلاقة بين القراءة والاستبطان (البنائية) والاستبطان من الناحية النفسية هو “تأمل باطني على ما يجري في عالم الشعور” ويرتبط الاستبطان بشكل وثيق بالتأمل الذاتي ويتناقض مع الملاحظة الخارجية ، حينما يتحدث الروائي عن ام (وسام) حماية ا محمود بعد الصراع والكراهية التي تكون بينه وبين طه  بسبب اتهام سالم علوان بسرقة مقبض الباب من الذهب  يقول الروائي عن ام وسام-وهي شخصية ثانوية-  “وحكاية الأم تكاد تكون مستقلة، يتردد الراوي بحكايتها علينا لأنه يعتقد أنها حكاية قد تكون ملحقة في روايته، على إننا نخالفه الرأي، ونجدها من البداية حتى النهاية واحدة، ما دام الرواي واحدا، اما ونحن نج بعض شخوصها يتناوبون على رواية كل منهم روايته، ذلك من باب تخفيف الضغط على الرواي العليم فقط، وهذا التخفيف ليس منة من أحد، بل تتطلبه الضرورة”ص174 .
*حكايات وشخصيات
تبرز في الرواية شخصيات جديدة  تسرد عن طريق الاستذكار  لفهم الشخصيات الرئيسة (طه – محمود- سالم علوان) وهذا الاخير يتحدث مع صديقه طه عن عائلته وقصة هروبه من البيت ، بعد الصراع الذي  نشب بينه وبين شقيقه (الشرطي) والذي كان يطلب منه القيام بواجباته الدينية ، ولما عاندته ، قال لي “شيوعي وتعيش من كدي وعملي الذي تكرهه..وأنا أكره الشيوعية لأنها ضد الدين| لكنني لست شيوعيا والشيوعية ليست ضد الدين| كيف عرفت ما لم تكن شيوعيا يا كافر؟ أنا لا أخاف منك، حتى أكذب عليك، الشيوعية يقول أصحابها الكبار ليس لدينا الوقت لمعاداة الله أصحابها أغلبهم يعترفون أنهم ملحدون هذا زمن ولى، الآن الشيوعية تعني عمل الخير لكل الناس” ص198 سالم عمران يؤكد لطه بأنه ليس مرتبط ابالحزب الشيوعي ( أنا وحدي حزب، وكتلة، وكيان، لكني أقرأ بعض الكتب والكرسات..كتابان تورطت في قراءتهما هما “أصل العائلة” - أنجلز، والكتاب الثاني أسمه “ما العمل”- لينين -  اما الاسطى محمود فهو الشاذ جنسيا ، يمارس شذوذه اولا مع طه  ثم مع وسام، حينما يستذكر طفولته عندما كان في الثالثة عشر (أخذه أحد الفتيان إلى زاوية معتمة وأراه شيئه بتلك الليلة المظلمة، التي لن ينسى أبدا نعومة الشيء وحرارته ، اليس هذا غضب من السماء؟ اما (ام غايب) فقد تطورت لديها الغيرة من بلقيس الى تبديل العشاق وترمي شباكها على شاب اسمه (خضر) لكنه يفشل بممارسة الجنس معها، وهناك شخصية (السيد) – أبو الخير- الذي يظهر في اعمال ابتزاز وخطف وحتى القتل لتكون غنيمته طه ( ابو الخير ..هه..  لنر كيف يهل علينا الخير من السيد؟..اعتقدت أن لدى ابي الخير مشاريع مشتركة؟ الا تعتقد سيطلب منك خمس جده مثلا؟ وحينما يقتل وسام ويتهم بقتله طه  يحدث نفسه (لا يمكن تبرئة (أبي الخير) من اللعبة،إن أمثاله لقادرين على إتلاف الدنيا، وتدميرها بقضها وقضيضها)ص266
الخاتمة
لارواية” البهلوان” ، حاول فيها “أحمد خلف” ان يجعل الاحداث نفسها  هي التي تسرد  – كما لو لم يكن هناك سارد يسيطر عليها ويكتبها- وهي مغامرة سردية ممتعة لا يشعر القارئ الا وقد انتهت اللعبة السردية ويتمنى ان لا تنتهي ابدا.


المشاهدات 1109
تاريخ الإضافة 2021/06/09 - 5:08 PM
آخر تحديث 2024/04/25 - 1:54 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com