رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
التغطية الجريئة تعني مواجهة المتاعب ...جرأة الصحافة الغربية أقل تكلفة وخطورة من نظيرتها في العالم العربي


المشاهدات 1195
تاريخ الإضافة 2021/05/09 - 8:49 PM
آخر تحديث 2024/04/11 - 9:44 PM

باريس/متابعة الزوراء:
 كثيرا ما تتوجه أصابع الاتهام أخلاقيا ومهنيا إلى الصحافة العربية لأنها مضطرة إلى الاعتماد على الدعم الحكومي ورأس المال الخاص في غياب مصادر التمويل الأخرى لبقائها على قيد الحياة، في حين أن الصحافة الغربية ترفع شعارات الاستقلالية والموضوعية، لكن عندما يتعلق الأمر بخسارة المصدر الرئيسي لتمويلها تراجع حسابات المهنية.
ويذهب القائمون على الإعلام العربي اليوم إلى عطلة نهاية الأسبوع وهم مرتاحو الضمير؛ فالإعلام الغربي لا يتوقف عن توجيه الاتهامات للإعلام العربي بالتبعية والمحسوبية والإنصات للممول، وخصوصا من الحكومات. اليوم تساوت الرؤوس، ولا تخرج الاتهامات عن دائرة التنظير لارتباط مصير الصحف بالإعلانات والمستثمر.
وسلط الضوء على هذه القضية إعلان شركة “توتال” الفرنسية العملاقة إلغاء حملة إعلانية كانت ستنشر في صحيفة “لوموند”، بعد نشرها تحقيقا يتهم المجموعة بتحويل أموال من عائدات مبيعات الغاز إلى المجلس العسكري الحاكم في تشاد. وأثار ملفا شائكا يتعلق بعلاقة المعلنين بالصحافة والضغوط التي تدفعها للتغاضي والسكوت عن قضايا تهم الرأي العام في سبيل عدم خسارة أموال المعلنين، وهي قضية تتعلق بالصحافة في مختلف أنحاء العالم ولا تقتصر على الصحافة الغربية رغم عدم التطرق إليها.
وباتت مسألة تمويل الصحافة محور نقاش عام باعتبارها تقدم خدمة للجمهور؛ فرغم أن الربح بالنسبة إلى المؤسسات الإعلامية مسألة مشروعة لا غبار عليها، مهما كان نوع المحتوى الذي تقدمه، إلا أن الاختلاف يبقى في طريقة الحصول عليه.
وعندما يتم الحديث عن الصحافة العربية فإن أصابع الاتهام تتوجه إليها مباشرة ويتم تحويل المسألة إلى قضية إشكالية أخلاقيا ومهنيا لأنها مضطرة إلى الاعتماد على الدعم الحكومي ورأس المال الخاص، في ظل ضآلة أرقام التوزيع إن وجدت، وعدم شيوع نموذج الاشتراكات الرقمية الذي بدأ ينتشر بشكل متزايد في الصحافة الغربية ولم يحظ بالنجاح في العالم العربي.
ويؤكد خبراء الإعلام أن غالبية وسائل الإعلام في العالم، بما في ذلك الدول الديمقراطية، خرجت من إطار الرقابة التقليدية بالتدخل المباشر من المسؤولين الحكوميين، والتهديد بسجن الصحفي أو إغلاق الجريدة، إلا أن الرقابة أصبحت تمارسها المؤسسات ذاتيا لتأمين نفقاتها وأجور الصحفيين عبر الحرص على مصالح المعلن والممول.
وأهم الصحف اليومية التي تغطي نفقاتها من إعلانات الشركات التجارية على صفحتها الرئيسية لن تخاطر مثلا بنشر خبر حول إضراب للعاملين في هذه الشركات، وهذا ليس بالأمر الجديد ويدركه العاملون في المجال الصحفي.
ويقول راولف رودريغو، في كتابه “القائد”، “الصحف والإذاعات والتلفزيونات لا تعرض الحقائق، وإنما تبيع مساحات إعلانية”. ويضيف “لقد نسينا نقطة في غاية الأهمية؛ أن الصحف والإذاعات والتلفزيونات هي شركات بطبيعة الحال”.
ويرى متابعون أن الصحف العربية التي تتسم بقدر معقول من الموضوعية والرزانة تواجه تحديا صعبا، فعليها أن تحاول إرضاء الممول أيًّا كان حكوميا أو مستثمرا دون المساومة على الخط التحريري.
ويحسب لبعض المؤسسات الصحفية العربية مواصلتها عملها، والبقاء على قيد الحياة وعدم تضحيتها بثقة القراء رغم ضآلة التمويل والإعلانات وتخلي الحكومات عنها، لذلك فإن الانتقادات والاتهامات التي توجه إليها من الصحافة الغربية لا تخرج عن إطار التنظير، بسبب اختلاف البيئة والظروف والجمهور المستهدف الذي هو نفسه لا يتقبل في بعض الأحيان حرية التعبير.
وتسبب التغطية الجريئة لقضايا معينة المتاعب للمؤسسة الإعلامية على الصعيد المالي قبل كل شيء، الأمر الذي يهدد وجودها واستمرارها، دون الحديث عن المتاعب الأخرى. فالتغطيات المهنية وما تواجهه من متاعب أمنية ستتسبب في تردد المستثمر في مواصلة التمويل، وربما انسحابه لتغلق المؤسسة أبوابها في نهاية الأمر.
في المقابل فإن جرأة الصحافة الغربية أقل تكلفة وخطورة مهما سببت من متاعب، وإذا اختارت المغامرة بخسارة المعلن في سبيل عدم التضحية بالتغطية أو بجزء منها للحفاظ على المشروع فإن لديها مساحة للتحرك بفضل دعم القراء للحفاظ على استقلاليتها كما هو الحال بالنسبة إلى صحيفة “الغارديان” التي تؤكد أن نموذج تمويل القراء هو الذي يمنحها القدرة على الحفاظ على استقلاليتها واستمرارها في تغطية كل المواضيع دون ضوابط أو ضغوط من رأس المال.
وقد تجرأت صحيفة “لوموند” على التحدث علانية وبفخر عن إلغاء شركة “توتال” الفرنسية العملاقة حملة إعلانية باعتبارها لم تخضع لابتزاز المعلن، وترى أن إثارة القضية بمثابة إعلان عن نزاهتها واستقلاليتها.
لكن الواقع أنها عقوبة رمزية بحق الصحيفة بما أن “توتال” لا تنشر الكثير من الإعلانات، إضافة إلى أن الصحيفة بفضل نجاح اشتراكاتها الرقمية في وضع مالي جيد وقللت من اعتمادها على الإعلانات في السنوات الماضية، والتي تمثل 22 في المئة من إيراداتها.
وهذه ليست المرة الأولى التي تُحرم فيها الصحيفة من إعلانات من قبل شركة وجهت أصابع الاتهام إليها في أحد مقالاتها. ففي عام 2015 سحب بنك “اتش.أس.بي.سي” إعلاناته من وسائل الإعلام بما في ذلك “لوموند” وصحيفة “الغارديان” البريطانية التي نشرت معلومات عن قضية تهرب ضريبي على نطاق واسع.
وواجهت صحف فرنسية أخرى مواقف مماثلة. فقد ألغت مجموعة “لوي فويتون” إعلانات في صحيفة “ليبيراسيون” في 2012 بعد أن سخرت على صفحتها الأولى من رئيسها برنارد أرنو بعنوان استفزازي “ارحل أيها الغني الأحمق”.
وفي الحقيقة فإنه عند المفاضلة يبدو أن حجم خسارة معلن واحد أو شركة اقتصادية مهما كانت عملاقة، يبدو ضئيلا أمام خسارة ثقة القراء الداعم الرئيسي لهذه الصحف والضامن لاستمراريتها.
لكن ماذا عن الصحف التي رضخت لضغوط المعلنين وتغاضت عن تقارير أو تغطيات صحفية تضر بمموليها ومعلنيها؟ بالتأكيد لن تكون هذه الصحف فخورة بالحديث عنها وإخراجها إلى العلن.
ونظريا فإن الاعتماد على تمويل القراء خيار مثالي لكنه ليس متوفرا في الحالة العربية، لأن المحتوى الصحفي في غالبيته متاح مجانا على شبكة الإنترنت ما يجعل من محاولة الطلب من القراء دفع المال مقابله أمرا غير مجد.
كما أن الصحافة الجيدة مكلفة، فكيف ستدفع المؤسسات الإعلامية كلفتها إذا كان دعم القراء غير متاح، وتمويل الحكومات “غير أخلاقي” والمعلن يفضل المنصات الاجتماعية؟


تابعنا على
تصميم وتطوير