د. مصطفى لطيف عارف
رن الهاتف عليها، وهي غارقة في نومها العميق والسعيد الحالم بمستقبل زاهر، حركت  يدها بصعوبة باتجاه الهاتف, وهي مترددة بين الإجابة ,أو البقاء نائمة وتغلب عليها الفضول فتحت الهاتف وكانت  إذنها مغطاة بسماعة خارجية بيضاء جميلة الو ؟ من المتحدث ؟ إنا ميسلون أهلا حياتي ورفيقة عمري ؟ احمل لك البشرى  ايفان  بين النوم والصحو ؟ خيرا أن شاء الله ؟ تم قبولك معي في مرحلة الدكتوراه ,  وفي الغد المقابلة في القسم , والمباشرة. 
انطلقت من سريرها الخشبي الكبير عليه وردة  حمراء مكتوب عليها احبك ,ووسادة بيضاء طبية , نزلت مسرعة ,وهي بثوب النوم الذي يظهر مفاتنها الأنثوية وجسمها المتناسق  إلى والدها ,وكان رجلا حكيما , وكبيرا يحمل عقلا متزنا , كي يشاركها فرحتها , قبلها والدها ,ودعا لها بالتوفيق ,والنجاح ,وقد غمرتهما السعادة والهناء وهو ينتظر هذا اليوم المبارك الذي تحمل فيه ابنته شهادة الدكتوراه ليفتخر بها أمام الناس ,والأقارب ,والأصدقاء , وقد اشترى لها جبة جديدة , وحقيبة, وحجابا بالمناسبة , اجتمعت العائلة على مائدة الطعام ,والكل سعيد بهذا النبأ السعيد إلا أنها كانت قلقة جدا ,وغير مرتاحة لهذه الكلية التي قبلت فيها , وفي الصباح الباكر ارتدت ملابسها الجديدة وكأنها ملاك سماوي يمشي على الأرض ,وهي تتبختر في مشيتها حتى أعجب بها من يشاهدها , وكأنها عروسا زفت لبيتها ٠
دخلت الكلية الجديدة وهي تجيل بناظريها تقاسيم الكلية ,وهي مرتبكة, وخائفة لا تعرف أحدا من الأساتذة ,أو الموظفين سالت موظفة جميلة تضع ماكياجا  صارخا وتلبس ملابسا ضيقة تريد أن تتمزق من الضيق,  صباح الخير ست: سألتها ايفان  من فضلك أين يقع قسم الفلسفة ؟ أشارت إليها إشارة ممزوجة بالخبث, والنظرة الحاسدة هناك نهاية الممر عزيزتي : شكرا جزيلا لك ٠ 
دخلت رئاسة القسم وجدت رئيس القسم متربع على عرشه ,ومعه مجموعة من أساتذة القسم لمقابلتها , قالت السلام عليكم : قال رئيس القسم عليكم السلام , ما اسمك بابا؟ ايفان مراد  , التخصص الفلسفة ,وعلم الاجتماع , خريجة كليتنا كلا , أني خريجة كلية الآداب جامعة بغداد , تفضلي اجلسي, سألها أستاذ علم الاجتماع أنت أن شاء الله مقبولة بماذا تكتبين في الدكتوراه ؟  دراسة تحليلية للمجتمع العراقي , لماذا ؟  أجابت لأنه يعطي للطالب مساحة واسعة للكتابة والتعبير , هل لديك موضوعا في بالك؟  نعم دكتور دراسة نفسية للشذوذ في المجتمع العراقي ٠  
أعجب بها أساتذة القسم لثقتها بنفسها بعد أن كانت مرتبكة وخائفة , وتميزت بسرعة الإجابة , وهي ترتدي جبة رصاصية مطرزة بالسواد , وتلبس نظارة طبية بيضاء تبرز عينيها  الواسعتين منها , ابلغها رئيس القسم بقبولها, ومباشرتها اليوم في الدراسة ٠ 
اجتازت السنة التحضيرية بنجاح ,وكانت الأولى على دفعتها ,وبدأت تكتب عن موضوعها الشذوذ في المجتمع العراقي , زارت المصحات العراقية , والسجون , وحصلت على وثائق مذهلة , ومهمة وأحكام من المحاكم العراقية التي تدين هؤلاء  والتي كشفت زيف بعض من رجال الدين , والمنحرفين , والمشعوذين ٠  
 واعدت أطروحة جميلة تناقش الأوضاع لكنها توصلت إلى نتائج مذهلة بينت حقيقة شخصيات بارزة في المجتمع العراقي تحتل أماكن مرموقة مصابة بالشذوذ , تم تهديدها من قبل المتسلطين  بعدم الكشف عن ما توصلت إليه من نتائج إلا أنها لم تهتم  وأكملت كتابة أطروحتها وقبيل مناقشتها للدكتوراه ,وهي في طريقها لجامعة بغداد  تم اغتيالها في الحرم الجامعي من بعض الجماعات المتشددة المدعية للإسلام قدمت حياتها ثمنا لكشف المستور.