جريدة الزوراء العراقية

الشخصيات الاشكالية وانماطها الفاعلة ....قراءة في رواية (أسفل خاص) للروائي أسعد الهلالي


أنفال كاظم 
في هذه الرواية يطرح الروائي أسعد الهلالي قضية في غاية الأهمية وتخص صميم المجتمعات الشرقية الذكورية والفهم الشرقي للمرأة والجنس في عموم الوطن العربي ورفض العنف والذكورية، تناولها بمحورين(علم النفس الاجتماعي وعلم النفس الجنسي)ألا وهي صعوبة محافظة الفتاة على عفتها(اسفلها الخاص)وسط عيون ذكورية لاترى فيها سوى دمية بوجه جميل وجسد يفيض انوثة ويثير الشهوة، ومن هذه القضية اشتق الكاتب تسمية الرواية متقصداً(أسفل خاص)ليربط العنوان بالمضمون الأساسي لها. وهذا ما حدث بالفعل مع الفتاة ذات الوجه الأبيض المشوب بالحمرة التي رافقت والدايها العراقيين برحلة الغربة إلى اليمن، وهذا الهروب كان بمثابة شرارة البدء لسلسلة من الهروبات بعد أن قُتل والدها على يد شخص يدعى(سمعان الجريان)الرجل الممتلئ فحولة وقوة البأس بعد خيانة زوجية مقصودة وتواطؤ من قبل والدتها لتتزوج منه اخيراً وتصبح الفتاة عرضة للتحرش الجنسي من قبله مما يدفعها لمغادرة القرية متجهة الى المدينة ومن هنا تبدأ  محاولات متتالية للهروب والحصول على عمل شريف من جهة ومن جهة أخرى للمحافظة على نفسها وصون عفتها إذ وصفت نفسها على انها(المرأة_ الزئبق)التي خرجت من كل معاركها الزئبقية بالإنتصار فهي تنزلق كالزئبق بمناورتها وقدرتها على الهروب بالوقت المناسب من بين الأنامل الافعوانية.استطاع الكاتب من إيصال الفكرة الرئيسة بسلاسة وموضوعية وبنفس الوقت معالجة القضية المحورية التي تدور حولها الأحداث مستخدماً  أسلوب الاستعادة من الذاكرة حتى يملأ كل الثغرات السردية اثناء التنقلات بين الماضي والحاضر واليات متميزة مثل آلية التكرار لبعض المفردات لتعزيز الفكرة والتذكير بالمحور الأساسي للرواية فضلا على  البناء السردي المتميز الذي اتخذ شكلاً تراكمياً من خلال بناء الرواية بناءاً قصصياً وتقسيمها إلى اثنتي عشر جزءاً يحمل كل منها عنواناً مقتبساً من عبارة في متن الجزء من اجل ديمومة الترابط بين الأجزاء التي تحمل احداثاً تصب في مجرى الحدث الرئيسي والشخصيات التي وضعت بنموذجين احدهما سلبي والأخرايجابي وتأثيراتها على الحبكة التي نسجها دون اثارة الصخب ودون اثارة جريمة انتقام لاحقة للجريمة الأساسية. تمثلت الحبكة بنوعين، حبكة فرعية لكل جزء من الأجزاء تصب في صميم الحبكة الرئيسة التي تسير بصورة تصاعدية وصولاً لإنتصار البطلة ومن المُلفت ان الكاتب استخدم اقتباسات لمفكرين معاصرين وقصائد لشعراء عراقيين، عرب وأجانب لتعزيز الأحداث وتقوية الحوارات،بعد ان وضع الكاتب حجرالأساس في بداية الرواية والمتمثلة بجريمة قتل والد البطلة،وجعل احداث الرواية تدور حول الشخصية الرئيسة التي تحمل العبء الأكبر لرؤيته وهي البطلة الجميلة وكما يرى الروائي غائب طعمة فرمان(تقوم هذه الشخصية بدور رئيس، تكون قوة الأحداث وحركة الصراع مركزة عليها فهي نقطة ارتكاز البنية الروائية ومنها تنطلق الفعاليات المختلفة إذ يتجلى دورها في إثراء الحدث ونمو الفكرة وتداعيها)وبمساعدة شخصيات ثانوية بعضها ذات أثر إيجابي والبعض الآخر أثر سلبي تتباين في أدوارها ومهمتها في دفع عملية التنامي السردي إلى الأمام، تظهر وتختفي بالتتابع وبما ان الشخصيات تعد من العناصر المهمة التي يعتمد عليها نجاح الرواية فقد تناولها الكاتب بشكل مميز،الشخصيات الرئيسية؛ الفتاة الجميلة التي تتمحور حولها الأحداث ونالت العناية الكبرى من الكاتب فوصفها وصفاً مميزاً لتكون اكثر من مجرد فتاةعادية بل فتاة حظيت بنقمة الجمال التي جعل منها محط انظار الرجال قاطبةً، ثم ارتكز على مثابرتها ومحاولاتها الدؤوبة للحفاظ على نفسها من جهة ومن جهة اخرى ارتكز على قوتها التي تتفجر رغم فقرها وكثرة المغريات الا انها لا تبيع جسدها مهما كلف الأمر،ولم ينس الكاتب بأن يتوغل في ذكريات الطفولة البائسة المشوهة بمشهد بشع انطبع بذاكرتها وانتهى بأطلاق ناري وما ينطوي على ذلك من حزن رسم ملامح حياتها وشعورها بالاغتراب النفسي في الماضي والحاضر الذي عاشته بقبح مع الذكور الذين صادفتهم وسلكوا ابشع السبل لنيل اسفلها الخاص، ومن الجدير بالذكر وجود شخصية رئيسة اخرى يسلط عليها الكاتب الأضواء في النهاية وهو الشاب الشاعر الذي التقته مع اخر هروب لها بعد ان اوصدت بوجهها كل الأبواب ،ينبض بالمشاعر النبيلة والإنسانية ذو فكر فذ وعقليه متفتحة يعاني ايضاً من انتهاك أعلاه الخاص المتمثل بعقله من قبل رؤساء عمله من خلال محاولة تدجينه وسلب ارادته،اغدقها بكلمات العطف والشفقة التي لم تسمع مثيلاً لها، فلم يفكر بها سوى كإنسانة تحتاج الى المساعدة ،شاب احسن تغطيتها وحمايتها بدثاره الوحيد خشية ان يصاب جسدها بالبرد، كما و ركز الروائي على خلق شخصيات ثانوية تتفاعل بسلاسة مع البطلة وتضيئ جوانبها الخفيةوكما يرى عبداللطيف محمدالحديدي(الشخصيات الثانوية تضيئ الجوانب الخفية للشخصية الرئيسية وتكون اما
جمال قام بالإرسال اليوم، الساعة 10:23 ص
عوامل كشف عن الشخصية المركزية وتعديل سلوكها واما تبعٌ لها وتدور في فلكها)وهذه الشخصيات لاتقل أهمية عن الشخصيات الرئيسية كما يرى الروائي غائب طعمة فرمان(لاتقل أهمية عن الشخصيات الرئيسية فهي تسهم اسهاماً فاعلاً في بناء الشخصيات الأساسية واحداث الرواية وموازنتها)وتناولها الكاتب بأثرين احدهما سلبي والأخرإيجابي مثل جارتها الطيبة التي جسدت النموذج الإيجابي والتي كانت بمثابة الام الحقيقية لها، عطفت عليها واكرمتها رغم فقرها ومسحت دموعها المنهمرة بمواساة وساعدها بالمضي قدماً،اما الأنموذج السلبي فتمثل ب(سمعان الجريان)الذي لم يكتف بقتل والدها والاستحواذ على والدتها بل حاول مراراً وتكراراً سرقة اسفلها الخاص بغزواته المتكررة كل ليلة محاولاً انتهاك اسفلها الخاص وسلبها دفء رقادها ،كان تأثيره سلبياً بمايكفي لجعل الفتاة تكره كل الرجال،ومن النماذج السلبية الأخرى المشابهة لسمعان الجريان والتي ظهرت بالتتابع،(زميل عملها) الغائص في انجذابه المقيت اتجاه الفتاة والذي طلب منها وبكل وقاحة الحصول على الأعلى الخاص بقوله؛(يكفيني نصفك الأعلى وليكن النصف الأسفل للآخرين)،(صاحب المتجر) الذي عملت فيه وشهوته الهوجاء التي تترقب خطوات الفتاة بتمعن وشهوة طيلة الوقت للإيقاع بها واشباع غرائزه ،(ابن جارتها) المجنون الذي لايكف عن مراقبتها واختلاس النظر اليها من خلف النوافذ والستائر والذي لاتتردد الأم بضربه (بالنعال) لتنبيهه حال تعرضه للفتاة ومضايقتها،(مدير عملها) ذو الوجه المبلط بتقاطيع ساخطة وشهوة حيوانية ومساومتها على راتبها الشهري مقابل الحصول على جزء منها ومهاجمتها وتمزيق ثوبها المرصع بالعفة والنقاء،(الضابط) الذي هرعت له مستنجدة من نذالة تصرف مديرها والذي اظهر دناءته في وكره ،وكر الذئاب المسعورة مطالباً إياها بقضاء ليلة حمراء في شقته ونعتها بالعاهرة واتهامها بممارسة الدعارة،واخيراً(الوزير)الذي لجأت اليه لعله  ينصفها والذي اعتقدت انه ذوخلق لكنها سرعان ما بدأت باستقبال الهدايا من قبل سكرتيرته حتى ادركت انه سمعان الجريان بوجه اخر خصوصاً بعدما ابلغتها انه يود زيارتها في غرفتها وبعدما احست بالخطر المحدق بها قررت الهروب الى اللاعودة،ومن الجدير بالذكر ان الكاتب لم يمنح شخصياته التسميات فكلها بدون أسماء حتى الرئيسية منها ماعدا(سمعان الجريان)ولكون اسم الشخصية يحمل في طياته مجموعة من الدلالات داخل البنية السردية فضلاً عن أهميته في النسيج الروائي ولأنه وكما جاء نقلاً عن الدلالات السيميائية في الرواية العربية السعودية(دلالة إضافية لاتخلو من أهمية تتميم صورة الشخصية، والمفترض ان تكون هنالك خلفية لاسم البطل وأسماء الشخصيات المساعدة اولاً؛لان تسمية الشخوص ضرورية اذا ماتعددت في النص القصصي الواحد وثانياً لان تسمية الشخص باسم خاص يشكل العنصر الأبسط في التمييز كما يقول وثالثاً لان التسمية جزئية بنائية كباقي الجزئيات المؤلفة)أجد لو ان الكاتب قد منح شخصياته الرئيسية(البطلة الفتاة الحسناء والبطل الشاب الأسمر الشاعر)التسميات على الأقل ليتيح المجال لمخيلة المتلقي بأن تنسج صورة مترابطة بين الوصف الذي رسمه للشخصيات والدور الذي خُلقت لأجله والحدث الذي تمحورت حوله مع الأسم الذي يعطي مدلولا مهما لها وكذلك يؤثر على الجانب النفسي للقارئ وتؤثر على مدى تعلقه بالشخصية وعدم نسيانها حتى بعد الإنتهاء من الرواية، واخيراً تفردت رواية(أسفل خاص)بقوة في شد المتلقي من خلال اعتمادها على جماليات السرد وتقنياته بحرفية وقد وفق تماماً بإيصال فكرة مهمة فمثلما يُقتل الجمال بمحاولة إنتهاك الأسفل الخاص كذلك يُنتهك الأعلى الخاص بحبكة مميزة لربط الأسفل الخاص بالأعلى الخاص،الرواية حائزة على جائزة الابداع الثانية عن دارالشؤون الثقافية العامة في العراق ٢٠١٢ والتي صدرت عن مؤسسة شمس للنشروالإعلام بالقاهرة وقد تم إعادة نشرها عام ٢٠٢١ عن دار الوان للطباعة والنشر


المشاهدات 1294
تاريخ الإضافة 2021/05/03 - 3:59 PM
آخر تحديث 2024/03/28 - 11:46 PM

طباعة
www.AlzawraaPaper.com