جمرة الكتابة بؤس الكاتب وبوار الكتاب
ثقافية
أضيف بواسطة zawraa
الكاتب
المشاهدات 1693
تاريخ الإضافة 2018/03/13 - 5:15 PM
آخر تحديث 2025/12/07 - 4:07 AM
[caption id="attachment_155518" align="alignnone" width="300"]

جمرة الكتابة بؤس
الكاتب وبوار الكتاب[/caption]
عبده حقي
الكاتب أي كاتب، قبل أن يكون كاتبا ، ماهو إلا بشر مثلنا .. يأكل .. يشرب .. يسعى في الأرض بحثا عن رزقه مثل كل بني آدم.
العديد من الكاتبات والكتاب في العالم من راهنوا على أحصنة أقلامهم وجعلوا من الكتابة مصدر رزقهم ، يقتاتون على خبزها ويستحلبون بعض الدريهمات من ضرعها الضامر لتدبير متطلباتهم اليومية الأساسية منها والكمالية ، من فنجان القهوة وعلبة السجائر إلى وصفة الدواء، أو الإقامة في منتجع جبلي أوشاطئ إن استطاعوا إلى ذلك سبيلا.
والقليل من الكتاب العالميين المشهورين من استطاعوا أن يشيدوا لهم فيلات فارهة، وشاليهات معزولة ومغمورة بالسكينة تشع دفئا وتطفح رغدا وبحبوحة، يدخلونها بمفتاح الكتابة وعائداتها المالية أو ما يُصطلح عليه في بورصة دور النشر (th best sellers ) أو الكتب الأكثر مبيعا التي تتعدد طبعاتها من الأولى حتى الطبعة العاشرة .. إلخ..
ومن الكتاب الكبار من تعاقدوا مدى عمر الكتابة مع دور للنشر التي حققت شهرتها عن طريق نشر مؤلفاتهم بدل أن يحققوا هم شهرتهم عن طريقها ، كما هي العادة عندنا في العالم العربي، ونذكر على سبيل المثال لا الحصر الكاتب الأميركي ‘’جيمس باتيرسون’’ الذي تربع على عرش أغنى كتاب العالم حسب المجلة الاقتصادية ‘’فوربيس” حيث تمكن ‘’باتيرسون ‘’ هذا من حصد ما يناهز94 مليون دولار سنة 2011 ويأتي في المرتبة الثانية ‘’ستيفان كينغ’’ بـ 39 مليون دولار ثم في المرتبة الثالثة ‘’ جانيت إفانوفيتش’’ ب 33 مليون دولار...
لن أسرد كل أسماء اللائحة الخمسة عشر، والذي يأتي في آخر قائمتهم ‘’دين كونز’’ بـ 19 مليون دولار، لكن ليس من الغرابة في شيء إذا كانت هذه اللائحة لا تضم أي كاتب عربي أو حتى من الشرق الأوسط أو الأقصى كالعملاقتين الصين أو اليابان ..
لكن هناك طائفة أخرى من الكتاب الألمعيين الذين تتهافت على مؤلفاتهم دور النشرا لأوربية والعربية مثل إمبرتو إيكو وجوليا كريستيفا وميشيل فوكوورولان بارت و الطاهر بن جلون وإدريس الشرايبي ورشيد بوجدرة ونجيب محفوظ ونزار قباني ومحمد شكري وفاطمة المرنيسي ونوال السعداوي وعبدالله العروي ومحمد عابد الجابري .. إلخ.
في المقابل فالسواد الأعظم من الكتاب في العالم العربي والعالم الثالث، قد انردمت على رؤوسهم قصو و الرمال التي شيدوها في أضغاث الكتابة، فأضاعوا بذلك عمرهم في لا جدوى الكتابة ، واحترقت فراشاتهم في تطوافها المحموم حول نار الإبداع اللافحة، ونورها المخادع وتدوين ما يمور به محيط مجتمعاتهم من تقلبات التخلف أو التطور.. وسرعان ما ألفوا أنفسهم ذات ليلة متكورين في ركن صقيعي بإحدى المشافي العمومية الرخيصة، يصارعون الموت لحظة بلحظة من دون أن يلتفت إليهم حتى رفقاء درب الكتابة ‘’المشؤومة’’ أو حتى قراءهم الذين استمتعوا واستلذوا بأجمل قصائد أو قصص أو روايات هؤلاء الكتاب (المرضى) .
كان إذن وفي خضم هذا العوز و(الموت) الزاحف خلسة من تحت أسرَة الكتاب أن يبحث هؤلاء لهم عن رمق للحياة، وعن كرامة ملفوفة في أوراق النقد المالي وليس النقد الأدبي ، بدل كرامة ملفوفة في أوراق العفاف والكفاف والغنى عن الناس، فكانت الطريق الأقرب والأيسر إلى رتق ثقب الجيب، صفحات الصحف والمجلات هي بمثابة المنقذ من ظلام الجيب والبؤس من خلال التعاقد على نشر أعمدة يومية أو دورية في مختلف ضروب الحياة الثقافية والفكرية والسياسية و الاجتماعية ..إلخ كل ذلك مقابل مكافأة مالية أو تعويض ، وتلك حكاية أخرى قد يمتد مسلسلها إلى عشرات الفصول قبل أن تأتي حوالة التعويض في آخر حلقة هذا المسلسل بعد أن تكون قد تراكمت على صاحبنا الكاتب البطل العشرات من القروض والسلفات، في انتظار الذي يأتي و لا يأتي، أوفي أسوأ المشاهد بعد أن يكون المؤلف حقا قد مات ...
هذا المشهد الكاريكاتوري للكاتب إن لم نقل التراجيدي لذوبان جسد الكاتب العليل في (حمض) الكتابة إذا كان حقا المال هو الشكل المادي للكرامة، قد طرح على المؤسسات الثقافية في بعض الدول العربية سؤال ‘’التفرغ’’ قصد إنتاج (الكتابة) في مختلف مناحي الفكر والأدب من تلك الآلة الآدمية الرابضة خلف المكتب والتي يسمونها الكاتب ...
فهل الكاتب(ة) بات اليوم أكثر من أي زمن مضى في حاجة ماسة إلى وضعية ‘’التفرغ’’ المنظمة بقانون لممارسة حرفته .. حرفة تمكنه من وضع اعتباري قريب من الوظيفة المنظمة بقانون تلزمه بدفتر تحملات خاص بالإنتاج المنتظم على طول السنة بهدف الحصول على دخل ⁄ راتب ⁄ معاش الكتابة فقط وليس إلا الكتابة، لكن في فضاء من الاستقلالية الكاملة في مقاربة فكرية و موقفيه متحللة من ضغط ‘’المقابل’’ بالمعنى الدارج المغربي من شروط ‘’اعطيني نعطيك’’.
من هنا إذن يتبدى غموض هذا الديليم الصعب بين التفرغ المنظم بقانون مؤسسة الدولة ، وبين مهنة الكتابة بماهي نشاط ذهني وفكري وثقافي لا يتنفس أكسجينه الأنقى إلا في سماء الحرية والتعبير الحرفي كل القضايا الإنسانية التي تشغله، أو تشغل مجتمعه و لا يستقيم هرمها إلا على أرض الكرامة ...
هل الكاتب في حاجة إذن للتفرغ ؟ ومن هم هؤلاء الكتاب الأحق بوضعية التفرغ؟ وهل هناك معايير جاهزة على غرار معايير الجودة التي يقوم عليها كل منتوج يعرض للاستهلاك سواء كان ماديا أم رمزيا ؟ أم على الكاتب أن يتحمل تبعات اختياراته مثلما يتحمل عواقب أقداره التي ليس الآخرون ملزمون بتقاسم ألامها معه تماما مثلما مات إدغار ألان بو منبوذا في ركن مقهى.