رئيس مجلس الإدارة رئيس التحرير
مؤيد اللامي
أول صحيفة صدرت في العراق عام 1869 م
يومية سياسية عامة
تصدر عن نقابة الصحفيين العراقيين
رقم الاعتماد في نقابة الصحفيين (1)
مباراة شطرنج بالخنافس


المشاهدات 1308
تاريخ الإضافة 2024/04/27 - 9:03 PM
آخر تحديث 2024/05/17 - 2:00 PM

اللعب في رقعة الشطرنج له قواعده الثابتة و المتفق عليها ، بحيث لا يحق تحريك جميع الوحدات من بيادق صغيرة و كبيرة وملوك وفرسان و أبراج وغيرها في جميع الاتجاهات كما يقدر المنافس ذلك مناسبا لكسب المباراة ، وإذا زاغ عن القواعد تعتبر المباراة باطلة وتحسم لفائدة المنافس الآخر . وتبعا لذلك لا بجرؤ أي لاعب على خرق هذه القواعد المتعارف عليها في السياسة  . 
في العلاقات الدولية يبدو أن اللعبة تشبه ما يجري في رقعة لعبة الشطرنج ، إلا أن اللعبة في كثير من الحالات لا تجري بالبيادق الصغيرة و الكبيرة و بالفرسان والملوك و بالأبراج وغيرها مما هو متعارف عليه ، بل تستبدل هذه الوحدات بالخنافس التي تتحرك لوحدها ، حتى إذا وضعها اللاعب في مربع محدد وبنى عليها استراتيجية لعبه تحركت لوحدها وانتقلت إلى مربع آخر ، مما يفقد اللعبة قواعدها و يسلبها هويتها .
هذا ما تصر الولايات المتحدة الأمريكية على تنزيله و تطبيقه فيما يجري ويحدث في غزة. فتارة هي مساندة بصفة مطلقة للاحتلال الصهيوني، مباركة لجرائم الاحتلال الصهيوني ، موفرة له جميع ما يتطلبه من أدوات و تجهيزات وإمكانيات تنفيذ هذه الجرائم ، وما أن تأخذ باقي الأطراف هذا المعطى بعين الاعتبار، وتحاول إدراجه في حساباتها، حتى تطلع الإدارة الأمريكية بموقف لا يتلاءم مع دعمها اللا مشروط لجرائم الاحتلال، بأن تدعو الأطراف إلى توقيف الحرب و فسح المجال أمام المفاوضات.ثم تعود إلى نقطة الانطلاق بأن تعتبر الاحتلال الصهيوني في حالة دفاع شرعي عن النفس. وتارة تبارك الحصار الغاشم ضد غزة ، ولا ترى ضررا في قطع الماء و الغذاء و الدواء و الهواء على سكان غزة ، وما أن يحاول هذا الموقف التسلل إلى قناعات باقي الأطراف، ومن خلالهم الرأي العام الدولي، حتى تسارع هي نفسها إلى إسقاط المساعدات الغذائية من سماء غزة ، بدعوى التخفيف من حدة الحصار على غزة ، وتقترح بناء رصيف على شاطئ غزة لإيصال كميات أخرى من المساعدات الإنسانية. وتارة لا تتردد الإدارة الأمريكية في التصريح بأهمية حل قيام الدولتين، وما أن يجد هذا الطارئ مكانا له في متابعات الرأي العام الدولي حتى تخرج ورقة (الفيتو) للإبطال مشروع قرار داخل مجلس الأمن كان الهدف منه الاعتراف بدولة فلسطين. وتارة تعبر الخارجية الأمريكية عن معارضتها الشديدة لاحتياج رفح من طرف قوات الاحتلال الصهيوني، وتعلن صراحة معارضتها الشديدة لهذه الخطوة، وقبل أن يخفت رنين صوت هذا التصريح، حتى يتفق مجلس النواب الأمريكي بإجماع من الحزبين الديموقراطي والجمهوري على إقرار رزمة كبيرة من التشريعات تقضي بإسناد قوات الاحتلال الصهيوني بمساعدات عسكرية سخية، وصلت قيمتها إلى 26 مليار دولار، وهي المساعدات التي ستمكن الاحتلال الصهيوني من اقتراف ما يحتاجه من جرائم ، لن تقتصر على اجتياح رفح بل تتعداها إلى ما يقدره الاحتلال الصهيوني مناسبا وكفيلا بإنهاء القضية الفلسطينية. وتارة يتنقل العراب الأمريكي لعدة مرات في رحلات مكوكية إلى مختلف دول الشرق الأوسط في مساعٍ تأخذ صيغة وساطة للوصول إلى اتفاق هدنة في غزة، وما أن يحاول الملاحظ اعتماد هذه الخطوة في تقييم الأوضاع و توقع حلول في ضوء ذلك، حتى ينبري نفس العراب إلى الدعوة إلى إطلاق أيادي الاحتلال الصهيوني في اقتراف القتل و الإبادة و التدمير، بما يفرغ المساعي المزعومة من محتواها، و يعود الملاحظ و الرأي العام إلى نقطة الصفر . 
هذه عينة صغيرة جدا من منهجية وخطة الإدارة الأمريكية التي تعتمدها في لعبة الشطرنج بالخنافس النشيطة، التي تتحرك بسرعة وفي غفلة من المنافس، مما لا يحتاج إلى جهد للإقرار بفساد اللعبة ، لأن أحد اللاعبين يعتمد الغش والتدليس و المغالطة ، ويأمر خنافسه بالتحرك في رقعة اللعبة خارج قواعدها ، و حسب ما تقتضيه متطلبات المصالح  الدنيئة .
لذلك لا أمل في لاعب يفتقد إلى شروط ومواصفات النزاهة والمصداقية ونظافة الذمة والضمير .


تابعنا على
تصميم وتطوير